المسيح في القرآن
أبدى القرآن الكريم
اهتماما بالغاً بشأن نبي الله عيسى عليه السلام ، فابتدأ
سرد قصته بذكر ولادة أمه ، ونشأتها نشأة الطهر والعفاف والعبادة والتبتل ، ثم ذكر
إكرام الله تعالى لها بأن رزقها غلاما بدون أب ، حيث أرسل لها جبريل - عليه السلام
– ليبشرها ، ولينفخ فيها فتحمل بعيسى عليه السلام ، ثم ذكر رعاية الله لها أثناء
حملها ، ورعايته لها أثناء ولادتها به ، ثم حديثها مع بني إسرائيل واستنكارهم الولد
، وكلام عيسى في المهد تبرئة لأمه مما قذفها به اليهود ، وغير ذلك من أحداث ،كل هذا
الاهتمام القرآني جاء ليبين ضلال اليهود الذين بُعِثَ فيهم عيسى عليه السلام ،
فافترقوا فيه طائفتين : طائفة كفرت به ورمته بأفحش
السبِّ ، وطائفة آمنت به وناصرته وبقوا متمسكين بدينه حتى بعد رفعه إلى السماء ، ثم
جاء من بعدهم من غيَّر وبدَّل وغلا في عيسى عليه السلام فرفعه إلى مقام الألوهية ،
لذلك اهتم القرآن الكريم ببيان حقيقة عيسى ، وحقيقة دعوته ، وبيان ضلال من ضل فيه -
سواء من كفر به ، أو من غلا فيه - فجاء بيانه غاية في الوضوح والجلاء ، فلم يدع
شبهة إلا أزالها ، ولا حقيقة إلا أبانها ، ولنأت على ذكر ذلك بشيء من التفصيل
:
الميلاد
المعجزة
أوضح القرآن الكريم
كيفية حمل مريم بعيسى عليه السلام ، قال سبحانه في بيان
ذلك : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ
انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ
حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً
قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً قَالَ إِنَّمَا
أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً }( مريم:16- 19) ،
وأوضح في آية أخرى أن جبريل عليه السلام نفخ في مريم فكان الحمل بإذن الله ، قال
تعالى :{ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا
فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ
الْقَانِتِينَ }(التحريم:12)
المسيح وحياة
البشر
بعد ولادة عيسى عليه
السلام ، عاش حياة طبيعية جدا ، يأكل مما يأكل البشر ،
ويشرب مما يشربون ، ويذهب لقضاء حاجته ، إلى غير ذلك مما تقتضيه الطبيعة البشرية ،
وقد ذكر القرآن هذه الحقيقة ، في إشارة للرد على النصارى الذين ادعوا ألوهيته –
عليه السلام - ذلك أن أخص وصف للإله الغنى المطلق ، ومن يحتاج إلى الطعام والشراب
لإقامة صلبه ، كيف يوصف بالألوهية ، قال تعالى مبينا هذه الحقيقة :{ مَا
الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ
مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ
انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى
يُؤْفَكُونَ }(المائدة:75)
إزالة الإشكال في طبيعة عيسى عليه السلام
لعل منبع الإشكال عند بعض
الناس في عيسى - عليه السلام – ولادته من أم بلا أب ، وقد استغل اليهود هذه
القضية وأرادوا أن يتخذوا منها مسلكا للطعن
في نبوته
عليه السلام ، والأمر أضعف من ذلك ، فإن من الأنبياء من أقرَّ الكل بنبوته ، وكان
وجوده أبعد عن العادة البشرية وأكثر إعجازا من وجود عيسى - عليه
السلام -
إنه آدم
-
عليه
السلام –
حيث خلق
من غير أب ولا أم ، فمن آمن بآدم لزمه ضرورة أن يؤمن بعيسى، ثم إن مكمن الخطأ وقمة
الضلالة في قياس قدرة الله عز وجل على قدرة البشر ، فقانون العادة يحكم
تصرفات وقدرات البشر ، وليس قدرة الله سبحانه ، فالله على كل شيء قدير ، فلا تحكمه
عادة ، ولا يعجزه أمر ، فالله يخلق بأب ، ومن غير أب
، ومن غير أب وأم ، قال سبحانه وتعالى : { إِنَّ
مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ
لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }(آل عمران:59) .
بيان رسالة المسيح
عليه السلام
لم يفتأ القرآن الكريم
يُذكِّر بحقيقة عيسى - عليه السلام - وحقيقة دعوته ، وأنه
ما هو إلا رسول من عند الله بعثه لتبليغ دينه ، وإعلاء شريعته ، فمرة يذكر هذه
الحقيقة بصيغة الحصر ، كقوله تعالى :{ مَا
الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِهِ الرُّسُلُ }(المائدة:75) ، وتارة يذكر المسيح في معرض ذكره للرسل الكرام عليهم
السلام ، على اعتبار أنهم إخوانه وهو واحد منهم ، كقوله تعالى : { إِنَّا
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ
وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ
وَالأسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا
دَاوُدَ زَبُوراً }(النساء:163) وغيرها
من الآيات التي تدل دلالة قاطعة على أن عيسى عليه السلام ما هو إلا رسول من عند
الله عز وجل .
هذا بعض حديث القرآن
عن نبي الله عيسى الذي ضل فيه اليهود والنصارى على السواء واهتدى أهل الإسلام
لحقيقته وحقيقة دعوته ، وسوف نكمل الحديث عنه في مقالات
لاحقة ، نسأل المولى عز وجل أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من
يشاء إلى صراط مستقيم .
عيسى يبشر بنبي
الإسلام
من خلال حديث القرآن
عن عيسى - عليه السلام - علمنا ببشارته بنبينا صلى الله عليه وسلم ، وهو الأمر الذي حاولت النصارى إخفاءه ، حتى لا تكون حجة
عليهم في عدم إسلامهم ، ونسوا أن الحجة البالغة لله وحده ، قال تعالى :
{ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا
بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ
يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ
أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا
هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ }( الصف:6) ، ولا ننسى أن نذكر أن النصارى وإن حاولوا طمس البشارات
المتعلقة بنبي الإسلام إلا أن الله قد أعمى أبصارهم عن بعضها – لتكون حجة عليهم –
وهذه البشارات سنعرض لها في مقال لاحق مستقل .
معجزات عيسى عليه
السلام
ولما كان عيسى عليه
السلام أحد الرسل الكرام الذين بعثهم الله لتبليغ دينه ،
فقد آتاه الله من الآيات المعجزات ما كان دليلا على صدق دعوته ، فمن ذلك إحياء
الموتى ، وشفاء المرضى ، ولا سيما من الأدواء المستعصية
كالعمى والبرص ، وغير ذلك من المعجزات مما هو مذكور في قوله تعالى : { إِذْ
قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ
نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ
تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ
كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي
وَتُبْرِئُ الأكمه وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي
وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ
هَذَا إلا سِحْرٌ مُبِينٌ }( المائدة:110) ،
ومن معجزاته عليه السلام ، استجابة الله عز وجل لدعائه في إنزال مائدة من السماء
تلبيةً لطلب الحواريين – أصحابه – حتى يزدادوا يقيناً بنبوته ، قال تعالى مبينا هذه
المعجزة :{ إِذْ
قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ
يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ
اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا
وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا
مِنَ الشَّاهِدِينَ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ
اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا
عِيداً لأوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ
وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }(المائدة:112- 114)
المسيح يستنصر
بالحواريين
اتهم عيسى – عليه
السلام - مثلما اتهم غيره من الأنبياء بالسحر ، وأصبح ما
آتاه الله إياه من الآيات المعجزات في نظر الجهلة الأشقياء ضرباً من السحر يستوجب
الفرار من عيسى لا الإيمان به ، وبهذا أصبحت المعجزة عندهم سبباً للنفور والإعراض
بدلاً من أن تكون سببا للهداية والإذعان ، وأمام هذا النفور العام من بني إسرائيل
طلب عيسى عليه السلام النصرة في نشر الدعوة وإبلاغ الدين من الحواريين – وقد سموا
بذلك لبياض ثيابهم أو لاشتغالهم بتبييض الثياب – فأجابوه إلى ما دعا ، وأصبحوا من
خاصته ، قال تعالى مخلداً هذا الموقف الكريم من
الحواريين :#{ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي
إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ
وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران:52) .
ونقف عند هذا الموقف ، لنكمل حديث القرآن عن عيسى عليه السلام في مقال آخر ،
سائلين الله عز وجل أن يجعل ما نكتبه خالصا لوجهه الكريم ، وأن ينفع به قارئيه ،
إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير ، والحمد لله رب العالمين .
بعد أن طفنا في رياض
حديث القرآن عن حياة عيسى عليه السلام من ولادته إلى بعثته
، نأتي هنا على قضايا أخرى هي في حقيقتها نقدٌ لما عليه النصارى من الآراء
الباطلة ، ولعل من أهمِّ تلك القضايا ما يتعلق بحقيقة المسيح وهل هو ابن الله أم لا
؟ وهل حقيقة المسيح لاهوتية أم ناسوتية ؟ وما هو
الحق فيما حصل للمسيح في أخريات حياته هل رفع إلى السماء
أم صلب على الخشبة ؟ ، تلك هي أهم قضايا الخلاف بين الأمتين النصرانية والإسلامية ،
ونحاول أن نبين في هذا المقال - من خلال العرض القرآني - الحق القاطع في ذلك ، على
أن نرجئ الكلام في نقد أقوال النصارى من واقع كتابهم في مقالات لاحقة
.
المسيح والرفع المبارك
لم يسلم عيسى - عليه
السلام- من أذى اليهود الذين بُعث لهدايتهم ، حتى بلغ بهم
أن شكوه إلى الرومان ليقتلوه ، وهنا تتفق اليهودية والنصرانية على أعظم فرية ، ألا
وهي القول بصلب المسيح - عليه السلام- ، ولكلا الطائفتين
تفسيرهما لحادثة الصلب ، غير أن القرآن الكريم ينسف
دعواهما معاً ، ويثبت حقيقة كانت غائبة عن الكثيرين وهي أن عيسى - عليه السلام- لم
يصلب وإنما رفعه الله إليه ، بعد أن ألقى الله شبهه على واحد – قيل من أعدائه ،
وقيل من أتباعه - حيث قام الرومان بصلبه .
يقول الله في بيان
وتجلية هذه الحقيقة : { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ
وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ
مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ
وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ
رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } (النساء:157-158)
وقال أيضاً :{ إِذْ
قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ
مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ
كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ
بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }(آل
عمران:55)
بيان كفر النصارى في
اعتقادهم ألوهية المسيح
لقد أوضح القرآن
الكريم مبلغ الضلال والغي الذي وصل إليه النصارى حين اعتقدوا ألوهية المسيح - عليه
السلام- الذي أرسله الله تعالى داعياً إلى وحدانيته جلا وعلا
، فقد تحول في أذهان هؤلاء الجهلاء إلى إله يُعبد من دون الله ، لذلك وبموجب
هذه العقيدة الشركية فقد صرح القرآن الكريم بكفرهم ، فقال سبحانه :{ لَقَدْ
كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا
اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ
اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ
أَنْصَارٍ }(المائدة:72)
وعظ النصارى بترك
الغلو
بعد أن أبان الله
حقيقة عيسى - عليه السلام- وأنه رسول من عند الله عز وجل بعثه لهداية الخلق لطريق
الحق ، وعظ سبحانه النصارى في غلوهم فيه ، وأمرهم
بالانتهاء عن أقوالهم الباطلة ، ودعاهم إلى القول بما أخبر به من أن عيسى عليه
السلام عبد الله ورسوله ، فقال سبحانه :{
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى
اللَّهِ إلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا
تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ
سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرضِ
وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً }( النساء:171)
المسيح ينفي ما ادعته
النصارى فيه
يقول الله جل جلاله في
ذلك :{ وَإِذْ
قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ
قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ
سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ
قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي
نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ علاّم الْغُيُوبِ }( المائدة:116) ،
ففي الآية ينفي عيسى - عليه السلام - عن نفسه ما زعمته
النصارى فيه من القول بألوهيته وأمه من دون الله جل وعلا ، وفي هذا النفي أعظم
الحجة على ضلال النصارى ، لعلهم يرجعون عن ضلالهم وغيهم
.
عيسى والنزول آخر
الزمان
وهذا حديث آخر عن عيسى
- عليه السلام- ، يخبر فيه رب العزة والجلال عن علامة من
علامات الساعة العظام وهي نزول عيسى - عليه السلام- من السماء لينهي بخروجه
وانضمامه إلى المسلمين وتمسكه بشريعتهم ، حالة من الجدال بين الأمم الثلاث اليهودية
والنصرانية والإسلامية ، قال تعالى مبينا هذه الحقيقة :{ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ
هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ }(الزخرف:61) قال ابن عباس في تفسير المراد بالآية :هو نزول عيسى
- عليه السلام- ، وقال أيضاً:{
وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ
قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً }( النساء:159) ومعنى
الآية على أحد الأقوال – كما يقول الإمام الطبري- أن من أهل الكتاب من سيؤمن بعيسى
وأنه عبد الله ورسوله قبل أن يموت وذلك عند نزوله آخر الزمان لقتال الدجال ، وقد
أوضحت السنة النبوية تفاصيل هذا النزول ، وتكلمنا عنه في مقال سابق بما يغني عن
إعادته .
وبهذه الأسلوب الرائع
الذي حدَّث به القرآن عن شخصية عيسى - عليه السلام- تتشكل في ذهن كل مسلم صورة
واضحة المعالم ، صورة - على روعتها - سهلة في فهمها
واستيعابها ، ويمكن تلخيصها بكلمات يسيرة ، فعيسى - عليه السلام- وإن كانت ولادته
معجزة من أمٍّ بلا أبٍ ، إلا أنه كسائر الرسل فيما سوى ذلك ، فهو بشر أرسله الله عز
وجل داعية إلى بني إسرائيل ، وأنزل عليه الإنجيل ، وأيده بالآيات والمعجزات ليكون
دليلا وبيانا على صدق نبوته ، وحجة على من خالف وعاند وكفر ،{ ذَلِكَ
عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ
يَمْتَرُونَ }(مريم :34 )، نسأل المولى عز وجل أن يهدينا للحق ، وأن يحببه إلينا ،
إنه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين . Truth_Gate
_المصدر : كتاب البيان بما فى النصرانية من تحريف وبهتان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يشرفنى اضافة تعليقك على الموضوع سواء نقد او شكر