_كتا ب بولس و أثره في النصرانية دراسـة تحلـيلية:
_تحميل الكتاب من الرابط التالى:
http://www.mediafire.com/?i5c3g64ikpurl3c
بولس و أثره في النصرانية دراسـة
الحمد لله وحده ، و صلاةً و سلاماً على من لا نبي بعده و على آله و صحابته و بعد .
لما كنت مسلما يدعوني ديني إلى الإيمان بالأنبياء السابقة : ﴿ آمَنَ الرّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رّبّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ ( البقرة – 285 ) ، و كذلك الكتب السماوية المنزلة و المذكورة في القرآن الكريم و هي : التوراة و الإنجيل و الزبور و صحف إبراهيم و موسى . و كان ذلك حافزا يدفعني أن أبحث على ركائز الإيمان فيما تبقى من هذه الكتب ، و بدأ هذا البحث عن اقتناع تام بأن هذه الكتب تشير إلى الإيمان الصافي و وحدانية الخالق U كما يشير القرآن الكريم لأنها جميعا من عند الله ، و لكن المطالع للكتب المقدسة التي بأيدي أهل الكتاب من يهود و نصارى لا يجد بها ما تعلمه من توحيد الخـالق و ربوبيته و تنـزيهه Y عن كل نقص أو شائبة ، فمثلا يقول تعالى : ﴿ وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ ( الزمر – 65 ) ، فلا بد و في هذه الحالة أن نجد إشارات التوحيد في تلك الكتب و لكنها مع الأسف تخلو منها . و يقول أيضا U عن لسان نبيه عيسى u : ﴿ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ ( المائدة – 117 ) ، و لكن المطالع لكتابات الرسل في العهد الجديد لا يجد ذلك ، بل يجد كلاما أخر نسبه كاتبه للمسيح u ، فأين هي الحقيقة ؟!
و بحثا وراء هذه الحقيقة نحاول أن نبدأ سلسلة من الدراسات للكتاب المقدس و ما يحتويه من نصوص بقصد الدعوة إلى الموضوعية و تحكيم النص و تقديمه على الأشخاص ؛ فالنص ما دام مقدسا فهو حكم على الشخص نفسه و ليس العكس ، إلا إذا اعطينا بعض الأشخاص مكانة و تقديسا يعلون به على النصوص و يتحكمون فيها ، و هذه القدسية لا دليل عليها في منظور العقل و منطوق النص .
و الدارس لديانة النصارى لا يخوض في دراسته قبل أن يدرس شخصية ( القديس بولس ) و هو موضوع هذه الدراسة . فقد كان أثره في الديانة هائلا ، و هو أهم من كل كتابها و مفكريها ، و ذو رأي معتبر بين جميع طوائف النصارى المنتشرة في جميع انحاء العالم غير أنه واحد من أهم الإنجيليين على الإطلاق . و قد سافر إلى أماكن عدة يبشر بالنصرانية و ينشر أفكاره بين غير اليهود حتى عرف بين اللاهوتيين باسم ( رسول الأمم ) .
و سنحاول أن ندرس شخصيته من خلال نصوص العهد الجديد التي كتبها أو كتبت عنه ، و من خلال كتابات المؤرخين و المفكرين المعاصرين له أو الذين جاءوا بعده متأثرين بفكره . و سنحاول في هذه الدراسة الإجابة على عدة أسئلة منها : هل أتي بولس بديانة جديدة غير شريعة المسيح u ؟ و كيف كان أثره فيمن تبعه من تلاميذ المسيح و قد أخذوا تعاليمهم منه شخصيا u ؟ و ما هو دافعه فيما فعل ؟..
و قد سئل النصارى من قبل تلك الأسئلة و قد اجتهدوا في الرد عليها أيما اجتهاد . و في هذه الدراسة نحاول أن نضع ردودهم و أرائهم في الميزان ، و سنحاول كذلك استنطاق سطور الكتب المقدسة عند النصارى ، لنبحث من خلال الركام الكبير من الباطل عن أثارة الحق الذي نطقت به الأنبياء ، لنقيم الحـجة على أولئك الذين يؤمنون بقدسية هذه الكتب . ورجال الكهنوت والمحققين من أهل العلم والتاريخ ، نستنطقهم جميعاً ، لنجيب على هذه الأسئلة بموضوعية ومنهجية علمية ، كذلك نسترشد بأقوال أحرار الفكر الغربيين الذين أنطقتهم الحقيقة بما سنقرأه في هذه الدراسة .
هذا و إني اهدي هذه الدراسة إلى كل طالب للحقيقة باحثا عنها يسير في مسالكها ، لا أبغي منه غلبا و لا جدال ، و لكن أبغي الحق المجرد : ﴿ قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىَ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ ﴾ ( آل عمران : 64 ) .
اللهم وفقنا لما فيه الخير و الحق ، و اجعلنا سببا و لو بسيطا في صد أعداء الدين و إظهار خباياهم ، و اهدنا جميعا لما اختلفنا فيه من الحق بإذنك ، إنه يهدي من يشاء الى صراط مستقيم
من هو بولس
_تحميل الكتاب من الرابط التالى:
http://www.mediafire.com/?i5c3g64ikpurl3c
بولس
و أثره في النصرانية
دراسـة تحلـيلية
و أثره في النصرانية
دراسـة تحلـيلية
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)
مقدمة عامةالحمد لله وحده ، و صلاةً و سلاماً على من لا نبي بعده و على آله و صحابته و بعد .
لما كنت مسلما يدعوني ديني إلى الإيمان بالأنبياء السابقة : ﴿ آمَنَ الرّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رّبّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ ( البقرة – 285 ) ، و كذلك الكتب السماوية المنزلة و المذكورة في القرآن الكريم و هي : التوراة و الإنجيل و الزبور و صحف إبراهيم و موسى . و كان ذلك حافزا يدفعني أن أبحث على ركائز الإيمان فيما تبقى من هذه الكتب ، و بدأ هذا البحث عن اقتناع تام بأن هذه الكتب تشير إلى الإيمان الصافي و وحدانية الخالق U كما يشير القرآن الكريم لأنها جميعا من عند الله ، و لكن المطالع للكتب المقدسة التي بأيدي أهل الكتاب من يهود و نصارى لا يجد بها ما تعلمه من توحيد الخـالق و ربوبيته و تنـزيهه Y عن كل نقص أو شائبة ، فمثلا يقول تعالى : ﴿ وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ ( الزمر – 65 ) ، فلا بد و في هذه الحالة أن نجد إشارات التوحيد في تلك الكتب و لكنها مع الأسف تخلو منها . و يقول أيضا U عن لسان نبيه عيسى u : ﴿ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ ( المائدة – 117 ) ، و لكن المطالع لكتابات الرسل في العهد الجديد لا يجد ذلك ، بل يجد كلاما أخر نسبه كاتبه للمسيح u ، فأين هي الحقيقة ؟!
و بحثا وراء هذه الحقيقة نحاول أن نبدأ سلسلة من الدراسات للكتاب المقدس و ما يحتويه من نصوص بقصد الدعوة إلى الموضوعية و تحكيم النص و تقديمه على الأشخاص ؛ فالنص ما دام مقدسا فهو حكم على الشخص نفسه و ليس العكس ، إلا إذا اعطينا بعض الأشخاص مكانة و تقديسا يعلون به على النصوص و يتحكمون فيها ، و هذه القدسية لا دليل عليها في منظور العقل و منطوق النص .
و الدارس لديانة النصارى لا يخوض في دراسته قبل أن يدرس شخصية ( القديس بولس ) و هو موضوع هذه الدراسة . فقد كان أثره في الديانة هائلا ، و هو أهم من كل كتابها و مفكريها ، و ذو رأي معتبر بين جميع طوائف النصارى المنتشرة في جميع انحاء العالم غير أنه واحد من أهم الإنجيليين على الإطلاق . و قد سافر إلى أماكن عدة يبشر بالنصرانية و ينشر أفكاره بين غير اليهود حتى عرف بين اللاهوتيين باسم ( رسول الأمم ) .
و سنحاول أن ندرس شخصيته من خلال نصوص العهد الجديد التي كتبها أو كتبت عنه ، و من خلال كتابات المؤرخين و المفكرين المعاصرين له أو الذين جاءوا بعده متأثرين بفكره . و سنحاول في هذه الدراسة الإجابة على عدة أسئلة منها : هل أتي بولس بديانة جديدة غير شريعة المسيح u ؟ و كيف كان أثره فيمن تبعه من تلاميذ المسيح و قد أخذوا تعاليمهم منه شخصيا u ؟ و ما هو دافعه فيما فعل ؟..
و قد سئل النصارى من قبل تلك الأسئلة و قد اجتهدوا في الرد عليها أيما اجتهاد . و في هذه الدراسة نحاول أن نضع ردودهم و أرائهم في الميزان ، و سنحاول كذلك استنطاق سطور الكتب المقدسة عند النصارى ، لنبحث من خلال الركام الكبير من الباطل عن أثارة الحق الذي نطقت به الأنبياء ، لنقيم الحـجة على أولئك الذين يؤمنون بقدسية هذه الكتب . ورجال الكهنوت والمحققين من أهل العلم والتاريخ ، نستنطقهم جميعاً ، لنجيب على هذه الأسئلة بموضوعية ومنهجية علمية ، كذلك نسترشد بأقوال أحرار الفكر الغربيين الذين أنطقتهم الحقيقة بما سنقرأه في هذه الدراسة .
هذا و إني اهدي هذه الدراسة إلى كل طالب للحقيقة باحثا عنها يسير في مسالكها ، لا أبغي منه غلبا و لا جدال ، و لكن أبغي الحق المجرد : ﴿ قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىَ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ ﴾ ( آل عمران : 64 ) .
اللهم وفقنا لما فيه الخير و الحق ، و اجعلنا سببا و لو بسيطا في صد أعداء الدين و إظهار خباياهم ، و اهدنا جميعا لما اختلفنا فيه من الحق بإذنك ، إنه يهدي من يشاء الى صراط مستقيم
من هو بولس ؟
يعتبر بولس - كما أسلفنا - أشهر كتبة العهد الجديد ، وأهم الإنجيليين على الإطلاق ، فمن بين السبعة و عشرين سفرا من كتاب العهد الجديد قد ألف منهم أربعة عشر ، وفيها فقط تجد العديد من العقائد النصرانية ، بل أن دائرة المعارف الفرنسية تنسب إليه كلا من انجيلي مرقس و لوقا و سفر أعمال الرسل ، و هذا جعل الكثيرين من المفكرين يذهبون إلى إنه مؤسس النصرانية و واضع عقائدها . فقد كانت رسائله أول ما خُط من سطور العهد الجديد ، والذي جاء فيما بعد متناسقاً إلى حد ما مع رسائل بولس لا سيما إنجيل يوحنا ، فيما رفضت الكنيسة النصرانية تلك الرسائل التي تتعارض مع نصرانية بولس التي طغت على ما نادى بها المسيح u وتلاميذه من بعده.
و هذا الأثر الذي تركه بولس في النصرانية جد عميق ، و ذلك قد دعى الكاتب الأمريكي مايكل هارت في كتابه ( المائة : تقويم لأعظم الناس أثرا في التاريخ ) أن يجعل بولس أحد أهم رجال التاريخ أثراً ، إذ وضعه في المرتبة السادسة فيما وضع المسيح في المرتبة الثالثة . و يرى هارت أن المسيح u قد أرسى المبادئ الأخلاقية للعقيدة النصرانية ، وكذلك نظراتها الروحية وكل ما يتعلق بالسلوك الإنساني ، وأما مبادئ اللاهوت فهي من صنع القديس بولس ، ويقول هارت: ( المسيح لم يبشر بشيء من هذا الذي قاله بولس الذي يعتبر المسئول الأول عن تأليه المسيح ) أ هـ.
وقد خلت قائمة مايكل هارت من تلاميذ المسيح الذين غلبتهم دعوة بولس مؤسس النصرانية الحقيقي فلم يعد لهم تأثير على النصارى مثله ، بينما كان الامبرطور قسطنطين صاحب مجمع نيقية الذي تبنى رسمياً القول بألوهية المسيح u ( 325م ) في المرتبة الثامنة والعشرين من القائمة المذكورة .
لمحة في سيرته :
ولد بولس لأبوين يهوديين في مدينة طرسوس في آسيا الصغرى ( تركيا القديمة ) تقريبا في العام الرابع للميلاد ، ونشأ فيها من أصل عبراني خالص فيجمع أغلب المؤرخين النصارى أنه لم يكن هناك أصل أممي في أجداده أبدا ، وتعلم حرفة صنع الخيام لسهولتها و قلة رأسمالها أنذاك ، و يقول مؤرخي النصارى أيضا أن أبوه قد وهبه لدراسة الناموس منذ صغره ، و عندما شب أرشله إلى أورشليم ( القدس ) ، فأكمل تعليمه عند رجل يدعى غمالائيل أحد أشهر معلمي الناموس في أورشليم . فيقول سفر أعمال الرسل عن لسان بولس : (أَنَا رَجُلٌ يَهُودِيٌّ وُلِدْتُ فِي طَرْسُوسَ كِيلِيكِيَّةَ وَلَكِنْ رَبَيْتُ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ مُؤَدَّباً عِنْدَ رِجْلَيْ غَمَالاَئِيلَ عَلَى تَحْقِيقِ النَّامُوسِ الأَبَوِيِّ. وَكُنْتُ غَيُوراً لِلَّهِ كَمَا أَنْتُمْ جَمِيعُكُمُ الْيَوْمَ. ) ، و يقول أيضا عن صناعته : ( وَلِكَوْنِهِ مِنْ صِنَاعَتِهِمَا أَقَامَ عِنْدَهُمَا وَكَانَ يَعْمَلُ لأَنَّهُمَا كَانَا فِي صِنَاعَتِهِمَا خِيَامِيَّيْنِ. ) ، وكان اسمه فيما مضى ( شاؤول ) ، ومعناه : ( طالب ) كما نفهم من سفر الأعمال ، ثم أسمـى نفـسه بعـد تنـصره ( بولس ) ، ومعناه ( الصغير ) و ربما كان ذلك تواضعا . فيقول سفر اعمال الرسل عن هذا : ( 7كَانَ مَعَ الْوَالِي سَرْجِيُوسَ بُولُسَ وَهُوَ رَجُلٌ فَهِيمٌ. فَهَذَا دَعَا بَرْنَابَا وَشَاوُلَ وَالْتَمَسَ أَنْ يَسْمَعَ كَلِمَةَ اللهِ. 8فَقَاوَمَهُمَا عَلِيمٌ السَّاحِرُ لأَنْ هَكَذَا يُتَرْجَمُ اسْمُهُ طَالِباً أَنْ يُفْسِدَ الْوَالِيَ عَنِ الإِيمَانِ. 9وَأَمَّا شَاوُلُ الَّذِي هُـوَ بُولُسُ أَيْضـاً فَامْتَلأَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَشَخَصَ إِلَيْهِ ) . و تذكر كذلك أغلب المصادر أنه كان ذو غيرة على دينه أكثر من كل أقرانه اليهود كما قال عن نفسه في سفر أعمال الرسل .
و لا تذكر المصادر النصرانية لقيا بولس المسيح u على الرغم من أن ذلك الأول كان من معاصريه u ، وأول ذكر لبولس فيما يتصل بالنصرانية هو شهوده محاكمة وقتل إستفانوس أحد تلاميذ المسيح u ( و كان ذلك حوالي عام 37 م ) ، ويُذكر بولس أنه كان راضياً عن قتله ، فيقول سفر الأعمال : ( 58وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَرَجَمُوهُ. وَالشُّهُودُ خَلَعُوا ثِيَابَهُمْ عِنْدَ رِجْلَيْ شَابٍّ يُقَالُ لَهُ شَاوُلُ. 59فَكَانُوا يَرْجُمُونَ اسْتِفَانُوسَ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ: «أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي». 60ثُمَّ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَا رَبُّ لاَ تُقِمْ لَهُمْ هَذِهِ الْخَطِيَّةَ». وَإِذْ قَالَ هَذَا رَقَدَ. (ص 8: 1) وَكَانَ شَاوُلُ رَاضِياً بِقَتْلِهِ. )
فقد كان يهودياً معادياً للنصرانية ، بل و كان يشارك في تعذيب النصارى الأوائل ؛ فيحكي سفر الأعمال أيضا عن اضطهاد بولس للكنيسة فيقول : ( 3وَأَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ يَسْطُو عَلَى الْكَنِيسَةِ وَهُوَ يَدْخُلُ الْبُيُوتَ وَيَجُرُّ رِجَالاً وَنِسَاءً وَيُسَلِّمُهُمْ إِلَى السِّجْنِ. ) .
و يذكر سفر الأعمال أيضا تنصر بولس المفاجئ و انقلابه دون مقدمات تقدمت لهذا الإنتقال و لا تمهيدات مهدت له بعد أن رأى المسيح u - بعد رفعه بسنوات - ، فبينما هو ذاهب إلى دمشق في مهمة لرؤساء الكهنة قد تجلى له u دون عن القافلة التي كان يسير معها ، و يذكر أنه منحه حينئذ منصب الرسالة ، فكان مما قاله المسيح u له : (16وَلَكِنْ قُمْ وَقِفْ عَلَى رِجْلَيْكَ لأَنِّي لِهَذَا ظَهَرْتُ لَكَ لأَنْتَخِبَكَ خَادِماً وَشَاهِداً بِمَا رَأَيْتَ وَبِمَا سَأَظْهَرُ لَكَ بِهِ 17مُنْقِذاً إِيَّاكَ مِنَ الشَّعْبِ وَمِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ أَنَا الآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ 18لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ وَمِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ حَتَّى يَنَالُوا بِالإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ الْخَطَايَا وَنَصِيباً مَعَ الْمُقَدَّسِينَ ) .
و بعد ذلك مكث بولس بدمشق ثلاثة أيام غادرها بعدها الى العربية كما يقص في رسالته الى أهل غلاطية : (17وَلاَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى الرُّسُلِ الَّذِينَ قَبْلِي، بَلِ انْطَلَقْتُ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ ، ثُمَّ رَجَعْتُ أَيْضاً إِلَى دِمَشْقَ. 18ثُمَّ بَعْدَ ثَلاَثِ سِنِينَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ لأَتَعَرَّفَ بِبُطْرُسَ، فَمَكَثْتُ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً. ) .
و عندما عاد إلى دمشق ليكرز باسم المسيح حاول اليهود قتله على حسب القصة الواردة في سفر أعمال الرسل فهرب على أورشليم ( القدس ) و حاول أن يرافق الحواريين في كرازتهم ( حوالي عام 40 م ) غير أنهم أوجسوا منه خيفه لماضيه ، فما كانوا يصدقون أنه قد تنصر ، فأخذه برنابا و قربه منهم حتى خرجوا جميعا يكرزون بديانتهم في انحاء البلدة . و يحكي السفر أيضا أنه كان يباحث اليونانيين و يجادلهم حتى أجمعوا أن يقتلوه ، فهرب الى قيصرية بساحل فلسطين و منها الى طرسوس .
و بعد ذلك وقع اختيار الروح القدس – بحسب رواية سفر الأعمال – على بولس و برنابا للكرازة بين الأمم فذهبا الى قبرص ثم أنطاكية ، ثم إلى سوريا ، ثم عادا الى انطاكية فحدثت بينهما مشاجرة أدت الى افتراقهما بسبب اصرار برنابا على اصطحاب يوحنا ( مرقس ) معهما في حين يرى بولس غير ذلك !
و بعدها خرج بولس في رحلة تبشيرية ( عام 55 م ) شملت فيلبي و بيرية و تسالونيكي و أثينا و كورنثوس من بلاد اليونان ، و إفسوس من أسيا الصغرى بعدها عاد الى أورشليم .و كان خلال رحلته ينشئ الكنائس و يكتب الرسائل و يلقي الخطب و المواعظ ، حتى كانت رسائله أول ما كتب من العهد الجديد و هي أساس اعتقاد النصارى بما اشتملت عليه من مبادئ في الإعتقاد . و قد سجن في فيلبي و خرج من السجن – كما يذكر سفر الأعمال - أثر حدوث زلزلة فهدمت الحوائط و فتحت الأبواب و فكت القيود !
و بعد عودته إلى اورشليم ( عام 57 م ) قبض عليه و وقف أمام محاكمة بتهمة أنه قد أدخل بعض اليونانيين إلى الهيكل ، و قد دافع عن نفسه دفاعا مستميتا ثم في النهاية ذكر لهم هويته الرومانية حتى ينجو بنفسه من عقوبة الجلد !
و يقص سفر الأعمال بعد ذلك أنه عندما تأمر اليهود على قتله تم ترحيله الى فيلكس في قيصرية حيث قُبض عليه و سُجن هناك لفترة ( عام 58 م ) ، و لما حاروا في أمره أجمعوا على رفع دعواه الى القيصر في روما ، و سافروا به مع بعض الأسرى بالبحر فهبت عليهم ريح عاتية أدت الى تحطم السفينة و نجا بعضهم و ذهبوا به الى جزيرة مالطة ، و بعد ثلاثة أشهر أقلعوا على ظهر سفينة سَكَندريّة الى روما حيث كان بولس يعظ و هو تحت الحراسة ! و كان ذلك - على ما تجمع أغلب المصادر – في عام 64م ، ثم مـات مقتولا في روما بسبب اضطهادات الإمبراطور نيرون عام 65 أو 66م .
صفاته :
و بدراسة رسائل بولس العديدة بالإضافة الى سفر أعمال الرسل يتبين لنا أنه قد تميز بثلاث مزايا عمن عاصره من الحواريين أو من جاءوا بعده من القديسين و علماء النصارى :
1. كان نشيطا دائم الحركة لا يكل من كثرة الأسفار .
2. ذكي ،3. فطن ،4. بارع الحيلة ،5. ذو فكر ،6. متصرف يدبر الأمور بذكاء .
7. قوي التأثير على نفوس الناس و على أهوائهم ،8. قادر على قلب دفة الحوار إلى ما يريد .
و بذلك استطاع أن يكون محور الدعاة النصارى ، و استطاع أيضا أن يفرض كل ما ارتآه على مريديه فيعتنقوه دينا و يتخذون قوله حجة دامغة . و بهذه الصفات أيضا استطاع أن يحمل صديقه برنابا على أن يصدقه فيما رواه له عن رؤيته للمسيح u ، و من ثم فقد احتل المرتبة الأولى بين تلاميذ المسيح الذين عاصروه و أخذوا تعاليمهم منه u . فبهذه الصفات القوية استطاع أن يحملهم على نسيان ماضيه الدموي مع اخوانهم النصارى و أن يندمغوا في شخصه حتى يصير هو كل شيء فلا يستطيع أحد رد مقولته في الجماهير حتى صارت كلماته و أفكاره هي عماد المعتقدات و مراسي الفكر و بداية و نهاية المطاف .
و هنا يتعجب البعض و يسأل : كيف يتحول رجل من الكفر بديانة أو عقيدة الى شدة الإعتقاد فيها ، طفرةً دون سابق تمهيد ؟ فقد يحدث أن يتحول أحدهم من الكفر الى الإيمان فلذلك حالات كثيرة في مختلف الديانات ، و لكن من الكفر الشديد الى الدعوة الى الدين الذي ناوأه و عاداة و بل و الرسالة أيضا ! فهي طفرة شديدة تحتاج الى تفسير معقول ، فلم يُعهد ذلك في أنبياء و رسل العهد القديم . فالمعروف أن الرسل يجب أن تكون لهم فترة اعداد لتقبل الوحي ، و كذلك صفاء نفسي يجعله أهلا للإلهام ! و يجعل الإتهام و التكذيب يغلبان على رسائله ، و أنه إذا لم يكن للرسالة إرهاصات قبل تلقيها ، فلا يكون قبلها ما ينافيها و يناقضها !!...
و قد حاول بعض المفكرين إعمال العقل في دراسة أقوال بولس و حياته ، و نقف هنا على مقوله للقس عبد الأحد داوود : ( إن بولص يبجل و يعظم رجلا اسمه يسوع أميت و مات وحياً فقط . و أن أربعة عشر رسالة من العهد الجديد تحمل اسم الرسول المشار إليه ، فلا محمل للحيرة إذا قلنا أن المؤسس الحقيقي للنصرانية الحاضرة هو بولص . فإن شاؤول الشاب الطرسوسي من سبط بنيامين و من مذهب الفريسين و تلميذ أحد علماء الدهر عضو مجلس الصنهدرين المدعو غمالائيل ، ... و هو الذي كان يجتهد في محو اسم يسوع و أتباعه من الأرض ،و الذي رأى عدوه الناصري في السماء لامعا داخل الأنوار وقت الظهر أمام دمشق . اهتدى و سمي بأسم بولص و هو الذي وضع أساس العيسوية ) أ هـ ، و هذا مارتن لوثر في القرن السادس عشر ينكر على بولس عدم زواجه بل ينكر على القسيس أن يكون أعزبا مدى حياته ، و كان بولس ينكر الزواج لأنه يرى أن الأفضل ألا يمس الرجل أية امرأة طيلة حياته و لكن إذا لم يستطع أن يضبط نفسه فعليه بالزواج لأنه أفضل له .
تحليل لشخصية بولس في ضوء العهد الجديد :
بدراسة بعض النصوص التي كتبها بولس في رسائله العديدة أو التي تحكي عنه كسفر الأعمال مثلاً نجد العديد من التناقضات يُفهم منها ادعاء بولس الكذب أحيانا مما يجعل المحققين في حيرة شديدة من موقفه !
9. فمثلا عند دراسة قصة رؤية المسيح و قد وردت في ثلاث مواضع بالعهد الجديد : أولاها في أعمال الرسل (9/3-22) ،10. والثانية من كلام بولس في خطبته أمام الشعب (انظر أعمال 22/6-11) ،11. والثالثة أيضاً من رواية بولس أمام الملك أغريباس (انظر أعمال 26/12-18)،12. كما أشار بولس للقصة في مواضع متعددة في رسائله. و بدراسة القصة في مواضعها الثلاث يتبين تناقضها ؛ فقد جاء في الرواية الأولى : (7وَأَمَّا الرِّجَالُ الْمُسَافِرُونَ مَعَهُ فَوَقَفُوا صَامِتِينَ يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَلاَ يَنْظُرُونَ أَحَداً.) ،13. بينما جاء في الرواية الثانية : (9وَالَّذِينَ كَانُوا مَعِي نَظَرُوا النُّورَ وَارْتَعَبُوا وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا صَوْتَ الَّذِي كَلَّمَنِي.) ،14. فهل سمعت القافلة صوت الذي كلمه أم لم يسمعوه ؟!. و يرد القس : منيس عبد النور فيقول : ( الحديث في أعمال 9 عن مجرد السمع ،15. أي وصول الصوت إلى الأذن. أما في أعمال 22 فالحديث عن فهم معنى ما سمعوه. لقد سمعوا،16. ولكنهم لم يفهموا،17. وهذا ما جرى عندما رأى شاول الطرسوسي النور السماوي .. ) ،18. و طبعا واضح الإجتهاد الشخصي في رد القس و تفسيره لمعنى السمع الوارد في عدة مواضع إذ لا دليل على ما يقول لأنه بالعودة إلى النص لا نجد فارقا في المعنى بين الجمل ،19. أكثر من ذلك بالرجوع إلى النسخة الإنجليزية للكتاب المقدس نجدها تستخدم نفس الكلمة المرادفة لكلمة السمع ( Hear ) و لا تستخدم كلمة أخرى تدل على معنى الفهم ( see or understand ) فمن أين أتى القس بهذا التفسير ؟..
20. أيضا جاء في الرواية الأولى والثانية أن المسيح u طلب منه أن يذهب إلى دمشق حيث سيخبَر هناك بالتعليمات : ( 6فَسَأَلَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ وَمُتَحَيِّرٌ: «يَا رَبُّ مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟»فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «قُم وَادْخُلِ الْمَدِينَةَ فَيُقَالَ لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ» ) ،21. و أيضا : ( فَقُلْتُ: مَاذَا أَفْعَلُ يَا رَبُّ؟ فَقَالَ لِي الرَّبُّ: قُمْ وَاذْهَبْ إِلَى دِمَشْقَ وَهُنَاكَ يُقَالُ لَكَ عَنْ جَمِيعِ مَا تَرَتَّبَ لَكَ أَنْ تَفْعَلَ.) ،22. بينما يذكر بولس في الرواية الثالثة - و قد كانت ضمن حديثه الى الملك أغريباس - أن المسيح u أخبره بتعليماته بنفسه ،23. فقد قال له: ( 16وَلَكِنْ قُمْ وَقِفْ عَلَى رِجْلَيْكَ لأَنِّي لِهَذَا ظَهَرْتُ لَكَ لأَنْتَخِبَكَ خَادِماً وَشَاهِداً بِمَا رَأَيْتَ وَبِمَا سَأَظْهَرُ لَكَ بِهِ 17مُنْقِذاً إِيَّاكَ مِنَ الشَّعْبِ وَمِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ أَنَا الآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ 18لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ وَمِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ حَتَّى يَنَالُوا بِالإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ الْخَطَايَا وَنَصِيباً مَعَ الْمُقَدَّسِينَ.) فهل حدث فعلا أن بلغه المسيح u بالرسالة عقب افاقته .. أم في دمشق .. أم أنها كانت حيلة منه أمام الملك أغريباس ؟!.. و يرد أيضا القس : منيس عبد النور فيقول : ( أما في أصحاح 26 فالأمر أن بولس كان يحدِّث الملك أغريباس،24. ليبرئ نفسه من اتهامات اليهود،25. ويدعو الملك للإيمان،26. فأوجز في ما قال،27. ولم يورد تفصيلات. لهذا أغفل ذكر أن مرافقيه سمعوا صوت من كلَّمه،28. ولكنهم لم يفهموا ما سمعوه . ) و نقول هنا : و إذا أغفل بولس فهل أغفل الروح القدس الذي يؤمن النصارى أنه يوحي لبولس أو لوقا أو كاتب السفر أن يورد الحقائق كاملة دون زيادة أو نقصان ؟!... و على قياس تفسير القس لرواية بولس : فماذا أيضا أغفل الروح القدس ذكره في الكتاب ؟!..
29. و من الأمور التي وقف عليها المحققون في شخصية بولس لجوئه للكذب في سبيل الوصول لغايته. فقد حدث أن أراد اليهود محاكمته و عندما مثل أمام المحكمة و وجدها تنقسم الى فريسيين و صدوقيين قال لهم أنه فريسي ليوقع بينهم الفتنة و ينجو هو ،30. و لنقرأ النص : ( 6وَلَمَّا عَلِمَ بُولُسُ أَنَّ قِسْماً مِنْهُمْ صَدُّوقِيُّونَ وَالآخَرَ فَرِّيسِيُّونَ صَرَخَ فِي الْمَجْمَعِ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ أَنَا فَرِّيسِيٌّ ابْنُ فَرِّيسِيٍّ. عَلَى رَجَاءِ قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ أَنَا أُحَاكَمُ». 7وَلَمَّا قَالَ هَذَا حَدَثَتْ مُنَازَعَةٌ بَيْنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ وَانْشَقَّتِ الْجَمَاعَةُ ) ،31. إذ أن الفريسـيين يؤمنون بالبعث بعد الموت في حين لا يؤمن الصدوقيون بذلك . و في موضع أخر عندما قبض عليه الرومان قال لهم أنه مواطنا رومانيا و أكد ذلك ثانيةً حين سئل للتأكيد فوجدوا أنفسهم في حرج إذ كانوا يقيدونه و يسوقونه الى الجلْد و لنقرأ أيضا النص : ( 25فَلَمَّا مَدُّوهُ لِلسِّيَاطِ قَالَ بُولُسُ لِقَائِدِ الْمِئَةِ الْوَاقِفِ: «أَيَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تَجْلِدُوا إِنْسَاناً رُومَانِيّاً غَيْرَ مَقْضِيٍّ عَلَيْهِ؟» 26فَإِذْ سَمِعَ قَائِدُ الْمِئَةِ ذَهَبَ إِلَى الأَمِيرِ وَأَخْبَرَهُ قَائِلاً: «انْظُرْ مَاذَا أَنْتَ مُزْمِعٌ أَنْ تَفْعَلَ! لأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ رُومَانِيٌّ». 27فَجَاءَ الأَمِيرُ وَقَالَ لَهُ: «قُلْ لِي. أَأَنْتَ رُومَانِيٌّ؟» فَقَالَ: «نَعَمْ». 28فَأَجَابَ الأَمِيرُ: «أَمَّا أَنَا فَبِمَبْلَغٍ كَبِيرٍ اقْتَنَيْتُ هَذِهِ الرَّعَوِيَّةَ». فَقَالَ بُولُسُ: «أَمَّا أَنَا فَقَدْ وُلِدْتُ فِيهَا». 29وَلِلْوَقْتِ تَنَحَّى عَنْهُ الَّذِينَ كَانُوا مُزْمِعِينَ أَنْ يَفْحَصُوهُ. وَاخْتَشَى الأَمِيرُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ رُومَانِيٌّ وَلأَنَّهُ قَدْ قَيَّدَهُ. ) و طبعا واضح التقوّل و التناقض بين هذه و بين مقولته السابقة ،32. و يبدو أن الرومان لم يبحثوا في مقولته هذه بصورة رسمية لدى تعداد المواطنين الرومان الذين يعيشون في اليهودية فلا يذكر السفر شيئا عن ذلك ،33. و لو حدث ذلك لكان مالا يُنتظر ! و قد ذهب البعض إلى أن بولس كان يهوديا حاصلا على الجنسية الرومانية و لكن ذلك لا دليل عليه إذ لم يكن من سكان روما و لم ينخرط في سلك الجندية كما فعل بعض الشوام و الإغريق فحصلوا على الجنسية الرومانية و تدرجوا في المناصب حتى صاروا أعضاء لمجلس الشيوخ الروماني بل و أباطرة أيضا ،34. كذلك لم تكن طرسوس أبدا جزء من البلاد الرومانية الأصلية حتى يحصل أحد سكانها على الجنسية الرومانية أبا عن جد ؛ فبولس لم يذكر ذلك في السفر منذ البداية في تعريفه لنفسه و لكن اكتفى بأن يعرّف الناس أنه يهودي طرسوسي فقط ،35. و ما كان ليخفي هويته الرومانية عن النـاس و يظهرها فقط خوفا من الجلد إلا لو كانت ضرب من الكـذب أراد أن يفلت به من العقوبة .. و هذا شيء معهود من بولس كما سنرى !!
36. و يرى أيضا أن التلون بكل لون هو شيء مسموح به و من صفات المبشر الناجح ،37. و على نهجه سار كل المبشرين بعد ذلك فنقرأ في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس : (20فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ الْيَهُودَ وَلِلَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ كَأَنِّي تَحْتَ النَّامُوسِ لأَرْبَحَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ 21وَلِلَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ كَأَنِّي بِلاَ نَامُوسٍ - مَعَ أَنِّي لَسْتُ بِلاَ نَامُوسٍ لِلَّهِ بَلْ تَحْتَ نَامُوسٍ لِلْمَسِيحِ - لأَرْبَحَ الَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ. 22صِرْتُ لِلضُّعَفَاءِ كَضَعِيفٍ لأَرْبَحَ الضُّعَفَاءَ. صِرْتُ لِلْكُلِّ كُلَّ شَيْءٍ لأُخَلِّصَ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَوْماً.) .
38. و أحيانا يرى بولس أمورا لا تتفق مع تأدبه مع الله U فيقول : (7فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ صِدْقُ اللهِ قَدِ ازْدَادَ بِكَذِبِي لِمَجْدِهِ فَلِمَاذَا أُدَانُ أَنَا بَعْدُ كَخَاطِئٍ؟ ) و أظنه بهذا يحل الكذب في شريعتة الجديدة رغم أنه أمر منكر من كافة الشرائع بل و الأعراف الإجتماعية . و هكذا يبرر النصارى كذب بولس في الكثير من الأمور . و يقول أيضا : (25لأَنَّ جَهَالَةَ اللهِ أَحْكَمُ مِنَ النَّاسِ! وَضَعْفَ اللهِ أَقْوَى مِنَ النَّاسِ! ) فهل يوصف الله Y بالجهل أو الضعف ؟ و من مَن ؟ ... أمِن الرسل الذين هم أعلم الناس بربهم العزيز الحكيم ؟ تعالى الله لا إله إلا هو سبحانه رب العزة عما يصفون .
39. و إذا كان الكذب مباحا فالنفاق أيضا لا غبار عليه ! و هذا يبرر تزلفه للأباطرة الرومان الوثنيين واعتبارهم وسائر الحكام سلاطين موضوعين من قبل الله ،40. ويمضي فيجعل الضرائب والجزية التي يفرضونها حقاً مشروعاً لهم فيقول في رسالته إلى أهل رومية : ( 1لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِين الْفَائِقَةِ لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ 2حَتَّى إِنَّ مَنْ يُقَاوِمُ السُّلْطَانَ يُقَاوِمُ تَرْتِيبَ اللهِ وَالْمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً. 3فَإِنَّ الْحُكَّامَ لَيْسُوا خَوْفاً لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَلْ لِلشِّرِّيرَةِ. أَفَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ السُّلْطَانَ؟ افْعَلِ الصَّلاَحَ فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ 4لأَنَّهُ خَادِمُ اللهِ لِلصَّلاَحِ! وَلَكِنْ إِنْ فَعَلْتَ الشَّرَّ فَخَفْ لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ السَّيْفَ عَبَثاً إِذْ هُوَ خَادِمُ اللهِ مُنْتَقِمٌ لِلْغَضَبِ مِنَ الَّذِي يَفْعَلُ الشَّرَّ. 5لِذَلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يُخْضَعَ لَهُ لَيْسَ بِسَبَبِ الْغَضَبِ فَقَطْ بَلْ أَيْضاً بِسَبَبِ الضَّمِيرِ. 6فَإِنَّكُمْ لأَجْلِ هَذَا تُوفُونَ الْجِزْيَةَ أَيْضاً إِذْ هُمْ خُدَّامُ اللهِ مُواظِبُونَ عَلَى ذَلِكَ بِعَيْنِهِ. 7فَأَعْطُوا الْجَمِيعَ حُقُوقَهُمُ: الْجِزْيَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِزْيَةُ. الْجِبَايَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِبَايَةُ. وَالْخَوْفَ لِمَنْ لَهُ الْخَوْفُ. وَالإِكْرَامَ لِمَنْ لَهُ الإِكْرَامُ. ) ،41. و يرى النصارى أن مقولة بولس هنا إنما هي نوع من الرضاء بقضاء الله حتى لا ينال هؤلاء المؤمنون الأوائل شيء من ظلم الحكام ،42. و لكن التزلف و التملق واضح في النص السابق و ذلك لأنه لا يستطيع أن يكلمه في الهداية ،43. فليكلمه في الجزية ليكتفي شره من باب كف يد الظالم !
44. و تمتليء رسالات بولس بعبارات يمدح بها نفسه كمقولته أنه رسول ليس من الناس بل من الله ! ،45. و أن المسيح u قد ائتمنه على الكرازة ،46. و يرى بعض المحققين أنه إنما يقول ذلك فهو يعطي لنفسه الحجة أمام الناس فتكون كرازته مقبولة لديهم .
47. و نرى من بولس – دونا عن التلاميذ - إلغائه الناموس في بعض المواضع واحتقاره ووصفه له بالعتق والشيخوخة في مواضع اخرى ،48. ومثل هذا الموقف لا يكون معهودا في الرسل الذي تأتي دعوتهم لتؤكد على طاعة الله وتدعو إلى السير وفق شريعته،49. يقول: ( 18فَإِنَّهُ يَصِيرُ إِبْطَالُ الْوَصِيَّةِ السَّابِقَةِ مِنْ أَجْلِ ضُعْفِهَا وَعَدَمِ نَفْعِهَا،50. 19إِذِ النَّامُوسُ لَمْ يُكَمِّلْ شَيْئاً. وَلَكِنْ يَصِيرُ إِدْخَالُ رَجَاءٍ أَفْضَلَ بِهِ نَقْتَرِبُ إِلَى اللهِ. )،51. و لا يفهم من النص السابق إلا ابطاله للناموس ( الوصية السابقة ) الذي جاء المسيح u مصدقا له ناكرا أن ينقضه أحد ،52. و لا يمكن تأويلها بشيء أخر كما يحاول المدافعين عن الكتاب المقدس أن يفعلون .
رأي بعض المحققين النصارى في شريعة بولس :
و نتساءل لماذا لم يذهب بولس بعد تنصره مباشرة إلى التلاميذ ليتلقى عنهم دين المسيح ؟ بل ذهب إلى العربية ومكث بعيداً عن التلاميذ ثلاث سنين، ثم لقي اثنين منهم فقط لمدة خمسة عشر يوماً !
تقول دائرة المعارف البريطانية في الإجابة عن هذا السؤال: ( إن ارتحاله إليها كان لحاجته إلى جو هادئ صامت يتمكن فيه من تفكير في موقفه الجديد، وإن القضية الأساس عنده هي تفسير الشريعة حسب تجاربه الحديثة ) ، و هو تفسير نلمس منه تباين شريعته عن شريعة التلاميذ بل وخضوعها لتجاربه و خبراته أكثر ، و لكن هل تفسير الشريعة حسب تجاربه يجوز إذا تعارض مع أساسياتها التي لا يجب أن يحيد عنها ؟.
و يقول المؤرخ جامس كينون في كتابه من المسيح إلى قسطنطين : ( إنه ارتحل بعد تحوله الفكري إلى العربية، وكان الغرض المنشود من وراء ذلك - كما يبدو من التبشير- أن يدرس مضمونات عقيدته الجديدة، ثم ذهب بعد ذلك بثلاثة أعوام إلى أورشليم حتى يجتمع ببطرس ويعقوب ، فقد كان بولس يؤمن أن الله قد وهبه ميداناً محدداً للعمل، ولا يجوز لرجل أن يتدخل في شئـونه مادام روح الله بدورها هـادية له ) ، و هو لا يخرج كثيرا عن التفسير السابق مع إضافة تبرير جيد لخروجه عن شريعة الناموس و هو أنه مسوق من الروح القدس !... و لكننا نضيف أن بطرس أو يعقوب أو أحد التلاميذ ليسوا كأي رجل يسمح بتدخّله في الشريعة ، و لكنهم التلاميذ الذين تلقوا التعاليم على يد المسيح u فإذا حدث خلاف بينهم و بين أي فرد كائنا من يكون فلابد أنه سيكون على خطأ و هم على صواب .
لغاته و ثقافته :
كانت اليونانية هي لغة الثقافة في أنحاء الإمبراطورية الرومانية الشرقية هذا إلى جانب لغة البلاد الأصلية ، و يجمع الباحثين النصارى أن بولس كان يجيد اليونانية المنتشرة بين أهل بلدة طرسوس إلى جانب معرفته بلغة قومه العبرية ( لغة الناموس ) فلقد كان يدرس التوراة باللغة العبرية في حين يذهب بعض الباحثين أنه في كتاباته و رسائله قد اقتبس من التوراة السبعينية و المكتوبة باللغة اليونانية و إن كان هذا غير أكيد فلعل هذا راجعا إلى اختلاف ترجمة بعض أقواله حسب المذاهب النصرانية المختلفة
و قد سهل له ذلك اطلاعه على كتب الفلسفة اليونانية القديمة و التي كانت لها أكبر الأثر في حياته المستقبلية و أفكاره كما سنرى .
* * *
و مما سبق يتضح لنا شخصية بولس كما فهمناها من رسائله الموجودة بالكتاب المقدس و كما رأه بعض المحققين من النصارى المحدثين ، و لكن ماذا كان رأي الحواريين في بولس و دعوته ؟.. هذا ما سنعرفه من الفصل الثاني من هذه الدراسة .
يعتبر بولس - كما أسلفنا - أشهر كتبة العهد الجديد ، وأهم الإنجيليين على الإطلاق ، فمن بين السبعة و عشرين سفرا من كتاب العهد الجديد قد ألف منهم أربعة عشر ، وفيها فقط تجد العديد من العقائد النصرانية ، بل أن دائرة المعارف الفرنسية تنسب إليه كلا من انجيلي مرقس و لوقا و سفر أعمال الرسل ، و هذا جعل الكثيرين من المفكرين يذهبون إلى إنه مؤسس النصرانية و واضع عقائدها . فقد كانت رسائله أول ما خُط من سطور العهد الجديد ، والذي جاء فيما بعد متناسقاً إلى حد ما مع رسائل بولس لا سيما إنجيل يوحنا ، فيما رفضت الكنيسة النصرانية تلك الرسائل التي تتعارض مع نصرانية بولس التي طغت على ما نادى بها المسيح u وتلاميذه من بعده.
و هذا الأثر الذي تركه بولس في النصرانية جد عميق ، و ذلك قد دعى الكاتب الأمريكي مايكل هارت في كتابه ( المائة : تقويم لأعظم الناس أثرا في التاريخ ) أن يجعل بولس أحد أهم رجال التاريخ أثراً ، إذ وضعه في المرتبة السادسة فيما وضع المسيح في المرتبة الثالثة . و يرى هارت أن المسيح u قد أرسى المبادئ الأخلاقية للعقيدة النصرانية ، وكذلك نظراتها الروحية وكل ما يتعلق بالسلوك الإنساني ، وأما مبادئ اللاهوت فهي من صنع القديس بولس ، ويقول هارت: ( المسيح لم يبشر بشيء من هذا الذي قاله بولس الذي يعتبر المسئول الأول عن تأليه المسيح ) أ هـ.
وقد خلت قائمة مايكل هارت من تلاميذ المسيح الذين غلبتهم دعوة بولس مؤسس النصرانية الحقيقي فلم يعد لهم تأثير على النصارى مثله ، بينما كان الامبرطور قسطنطين صاحب مجمع نيقية الذي تبنى رسمياً القول بألوهية المسيح u ( 325م ) في المرتبة الثامنة والعشرين من القائمة المذكورة .
لمحة في سيرته :
ولد بولس لأبوين يهوديين في مدينة طرسوس في آسيا الصغرى ( تركيا القديمة ) تقريبا في العام الرابع للميلاد ، ونشأ فيها من أصل عبراني خالص فيجمع أغلب المؤرخين النصارى أنه لم يكن هناك أصل أممي في أجداده أبدا ، وتعلم حرفة صنع الخيام لسهولتها و قلة رأسمالها أنذاك ، و يقول مؤرخي النصارى أيضا أن أبوه قد وهبه لدراسة الناموس منذ صغره ، و عندما شب أرشله إلى أورشليم ( القدس ) ، فأكمل تعليمه عند رجل يدعى غمالائيل أحد أشهر معلمي الناموس في أورشليم . فيقول سفر أعمال الرسل عن لسان بولس : (أَنَا رَجُلٌ يَهُودِيٌّ وُلِدْتُ فِي طَرْسُوسَ كِيلِيكِيَّةَ وَلَكِنْ رَبَيْتُ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ مُؤَدَّباً عِنْدَ رِجْلَيْ غَمَالاَئِيلَ عَلَى تَحْقِيقِ النَّامُوسِ الأَبَوِيِّ. وَكُنْتُ غَيُوراً لِلَّهِ كَمَا أَنْتُمْ جَمِيعُكُمُ الْيَوْمَ. ) ، و يقول أيضا عن صناعته : ( وَلِكَوْنِهِ مِنْ صِنَاعَتِهِمَا أَقَامَ عِنْدَهُمَا وَكَانَ يَعْمَلُ لأَنَّهُمَا كَانَا فِي صِنَاعَتِهِمَا خِيَامِيَّيْنِ. ) ، وكان اسمه فيما مضى ( شاؤول ) ، ومعناه : ( طالب ) كما نفهم من سفر الأعمال ، ثم أسمـى نفـسه بعـد تنـصره ( بولس ) ، ومعناه ( الصغير ) و ربما كان ذلك تواضعا . فيقول سفر اعمال الرسل عن هذا : ( 7كَانَ مَعَ الْوَالِي سَرْجِيُوسَ بُولُسَ وَهُوَ رَجُلٌ فَهِيمٌ. فَهَذَا دَعَا بَرْنَابَا وَشَاوُلَ وَالْتَمَسَ أَنْ يَسْمَعَ كَلِمَةَ اللهِ. 8فَقَاوَمَهُمَا عَلِيمٌ السَّاحِرُ لأَنْ هَكَذَا يُتَرْجَمُ اسْمُهُ طَالِباً أَنْ يُفْسِدَ الْوَالِيَ عَنِ الإِيمَانِ. 9وَأَمَّا شَاوُلُ الَّذِي هُـوَ بُولُسُ أَيْضـاً فَامْتَلأَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَشَخَصَ إِلَيْهِ ) . و تذكر كذلك أغلب المصادر أنه كان ذو غيرة على دينه أكثر من كل أقرانه اليهود كما قال عن نفسه في سفر أعمال الرسل .
و لا تذكر المصادر النصرانية لقيا بولس المسيح u على الرغم من أن ذلك الأول كان من معاصريه u ، وأول ذكر لبولس فيما يتصل بالنصرانية هو شهوده محاكمة وقتل إستفانوس أحد تلاميذ المسيح u ( و كان ذلك حوالي عام 37 م ) ، ويُذكر بولس أنه كان راضياً عن قتله ، فيقول سفر الأعمال : ( 58وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَرَجَمُوهُ. وَالشُّهُودُ خَلَعُوا ثِيَابَهُمْ عِنْدَ رِجْلَيْ شَابٍّ يُقَالُ لَهُ شَاوُلُ. 59فَكَانُوا يَرْجُمُونَ اسْتِفَانُوسَ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ: «أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي». 60ثُمَّ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَا رَبُّ لاَ تُقِمْ لَهُمْ هَذِهِ الْخَطِيَّةَ». وَإِذْ قَالَ هَذَا رَقَدَ. (ص 8: 1) وَكَانَ شَاوُلُ رَاضِياً بِقَتْلِهِ. )
فقد كان يهودياً معادياً للنصرانية ، بل و كان يشارك في تعذيب النصارى الأوائل ؛ فيحكي سفر الأعمال أيضا عن اضطهاد بولس للكنيسة فيقول : ( 3وَأَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ يَسْطُو عَلَى الْكَنِيسَةِ وَهُوَ يَدْخُلُ الْبُيُوتَ وَيَجُرُّ رِجَالاً وَنِسَاءً وَيُسَلِّمُهُمْ إِلَى السِّجْنِ. ) .
و يذكر سفر الأعمال أيضا تنصر بولس المفاجئ و انقلابه دون مقدمات تقدمت لهذا الإنتقال و لا تمهيدات مهدت له بعد أن رأى المسيح u - بعد رفعه بسنوات - ، فبينما هو ذاهب إلى دمشق في مهمة لرؤساء الكهنة قد تجلى له u دون عن القافلة التي كان يسير معها ، و يذكر أنه منحه حينئذ منصب الرسالة ، فكان مما قاله المسيح u له : (16وَلَكِنْ قُمْ وَقِفْ عَلَى رِجْلَيْكَ لأَنِّي لِهَذَا ظَهَرْتُ لَكَ لأَنْتَخِبَكَ خَادِماً وَشَاهِداً بِمَا رَأَيْتَ وَبِمَا سَأَظْهَرُ لَكَ بِهِ 17مُنْقِذاً إِيَّاكَ مِنَ الشَّعْبِ وَمِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ أَنَا الآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ 18لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ وَمِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ حَتَّى يَنَالُوا بِالإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ الْخَطَايَا وَنَصِيباً مَعَ الْمُقَدَّسِينَ ) .
و بعد ذلك مكث بولس بدمشق ثلاثة أيام غادرها بعدها الى العربية كما يقص في رسالته الى أهل غلاطية : (17وَلاَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى الرُّسُلِ الَّذِينَ قَبْلِي، بَلِ انْطَلَقْتُ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ ، ثُمَّ رَجَعْتُ أَيْضاً إِلَى دِمَشْقَ. 18ثُمَّ بَعْدَ ثَلاَثِ سِنِينَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ لأَتَعَرَّفَ بِبُطْرُسَ، فَمَكَثْتُ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً. ) .
و عندما عاد إلى دمشق ليكرز باسم المسيح حاول اليهود قتله على حسب القصة الواردة في سفر أعمال الرسل فهرب على أورشليم ( القدس ) و حاول أن يرافق الحواريين في كرازتهم ( حوالي عام 40 م ) غير أنهم أوجسوا منه خيفه لماضيه ، فما كانوا يصدقون أنه قد تنصر ، فأخذه برنابا و قربه منهم حتى خرجوا جميعا يكرزون بديانتهم في انحاء البلدة . و يحكي السفر أيضا أنه كان يباحث اليونانيين و يجادلهم حتى أجمعوا أن يقتلوه ، فهرب الى قيصرية بساحل فلسطين و منها الى طرسوس .
و بعد ذلك وقع اختيار الروح القدس – بحسب رواية سفر الأعمال – على بولس و برنابا للكرازة بين الأمم فذهبا الى قبرص ثم أنطاكية ، ثم إلى سوريا ، ثم عادا الى انطاكية فحدثت بينهما مشاجرة أدت الى افتراقهما بسبب اصرار برنابا على اصطحاب يوحنا ( مرقس ) معهما في حين يرى بولس غير ذلك !
و بعدها خرج بولس في رحلة تبشيرية ( عام 55 م ) شملت فيلبي و بيرية و تسالونيكي و أثينا و كورنثوس من بلاد اليونان ، و إفسوس من أسيا الصغرى بعدها عاد الى أورشليم .و كان خلال رحلته ينشئ الكنائس و يكتب الرسائل و يلقي الخطب و المواعظ ، حتى كانت رسائله أول ما كتب من العهد الجديد و هي أساس اعتقاد النصارى بما اشتملت عليه من مبادئ في الإعتقاد . و قد سجن في فيلبي و خرج من السجن – كما يذكر سفر الأعمال - أثر حدوث زلزلة فهدمت الحوائط و فتحت الأبواب و فكت القيود !
و بعد عودته إلى اورشليم ( عام 57 م ) قبض عليه و وقف أمام محاكمة بتهمة أنه قد أدخل بعض اليونانيين إلى الهيكل ، و قد دافع عن نفسه دفاعا مستميتا ثم في النهاية ذكر لهم هويته الرومانية حتى ينجو بنفسه من عقوبة الجلد !
و يقص سفر الأعمال بعد ذلك أنه عندما تأمر اليهود على قتله تم ترحيله الى فيلكس في قيصرية حيث قُبض عليه و سُجن هناك لفترة ( عام 58 م ) ، و لما حاروا في أمره أجمعوا على رفع دعواه الى القيصر في روما ، و سافروا به مع بعض الأسرى بالبحر فهبت عليهم ريح عاتية أدت الى تحطم السفينة و نجا بعضهم و ذهبوا به الى جزيرة مالطة ، و بعد ثلاثة أشهر أقلعوا على ظهر سفينة سَكَندريّة الى روما حيث كان بولس يعظ و هو تحت الحراسة ! و كان ذلك - على ما تجمع أغلب المصادر – في عام 64م ، ثم مـات مقتولا في روما بسبب اضطهادات الإمبراطور نيرون عام 65 أو 66م .
صفاته :
و بدراسة رسائل بولس العديدة بالإضافة الى سفر أعمال الرسل يتبين لنا أنه قد تميز بثلاث مزايا عمن عاصره من الحواريين أو من جاءوا بعده من القديسين و علماء النصارى :
1. كان نشيطا دائم الحركة لا يكل من كثرة الأسفار .
2. ذكي ،3. فطن ،4. بارع الحيلة ،5. ذو فكر ،6. متصرف يدبر الأمور بذكاء .
7. قوي التأثير على نفوس الناس و على أهوائهم ،8. قادر على قلب دفة الحوار إلى ما يريد .
و بذلك استطاع أن يكون محور الدعاة النصارى ، و استطاع أيضا أن يفرض كل ما ارتآه على مريديه فيعتنقوه دينا و يتخذون قوله حجة دامغة . و بهذه الصفات أيضا استطاع أن يحمل صديقه برنابا على أن يصدقه فيما رواه له عن رؤيته للمسيح u ، و من ثم فقد احتل المرتبة الأولى بين تلاميذ المسيح الذين عاصروه و أخذوا تعاليمهم منه u . فبهذه الصفات القوية استطاع أن يحملهم على نسيان ماضيه الدموي مع اخوانهم النصارى و أن يندمغوا في شخصه حتى يصير هو كل شيء فلا يستطيع أحد رد مقولته في الجماهير حتى صارت كلماته و أفكاره هي عماد المعتقدات و مراسي الفكر و بداية و نهاية المطاف .
و هنا يتعجب البعض و يسأل : كيف يتحول رجل من الكفر بديانة أو عقيدة الى شدة الإعتقاد فيها ، طفرةً دون سابق تمهيد ؟ فقد يحدث أن يتحول أحدهم من الكفر الى الإيمان فلذلك حالات كثيرة في مختلف الديانات ، و لكن من الكفر الشديد الى الدعوة الى الدين الذي ناوأه و عاداة و بل و الرسالة أيضا ! فهي طفرة شديدة تحتاج الى تفسير معقول ، فلم يُعهد ذلك في أنبياء و رسل العهد القديم . فالمعروف أن الرسل يجب أن تكون لهم فترة اعداد لتقبل الوحي ، و كذلك صفاء نفسي يجعله أهلا للإلهام ! و يجعل الإتهام و التكذيب يغلبان على رسائله ، و أنه إذا لم يكن للرسالة إرهاصات قبل تلقيها ، فلا يكون قبلها ما ينافيها و يناقضها !!...
و قد حاول بعض المفكرين إعمال العقل في دراسة أقوال بولس و حياته ، و نقف هنا على مقوله للقس عبد الأحد داوود : ( إن بولص يبجل و يعظم رجلا اسمه يسوع أميت و مات وحياً فقط . و أن أربعة عشر رسالة من العهد الجديد تحمل اسم الرسول المشار إليه ، فلا محمل للحيرة إذا قلنا أن المؤسس الحقيقي للنصرانية الحاضرة هو بولص . فإن شاؤول الشاب الطرسوسي من سبط بنيامين و من مذهب الفريسين و تلميذ أحد علماء الدهر عضو مجلس الصنهدرين المدعو غمالائيل ، ... و هو الذي كان يجتهد في محو اسم يسوع و أتباعه من الأرض ،و الذي رأى عدوه الناصري في السماء لامعا داخل الأنوار وقت الظهر أمام دمشق . اهتدى و سمي بأسم بولص و هو الذي وضع أساس العيسوية ) أ هـ ، و هذا مارتن لوثر في القرن السادس عشر ينكر على بولس عدم زواجه بل ينكر على القسيس أن يكون أعزبا مدى حياته ، و كان بولس ينكر الزواج لأنه يرى أن الأفضل ألا يمس الرجل أية امرأة طيلة حياته و لكن إذا لم يستطع أن يضبط نفسه فعليه بالزواج لأنه أفضل له .
تحليل لشخصية بولس في ضوء العهد الجديد :
بدراسة بعض النصوص التي كتبها بولس في رسائله العديدة أو التي تحكي عنه كسفر الأعمال مثلاً نجد العديد من التناقضات يُفهم منها ادعاء بولس الكذب أحيانا مما يجعل المحققين في حيرة شديدة من موقفه !
9. فمثلا عند دراسة قصة رؤية المسيح و قد وردت في ثلاث مواضع بالعهد الجديد : أولاها في أعمال الرسل (9/3-22) ،10. والثانية من كلام بولس في خطبته أمام الشعب (انظر أعمال 22/6-11) ،11. والثالثة أيضاً من رواية بولس أمام الملك أغريباس (انظر أعمال 26/12-18)،12. كما أشار بولس للقصة في مواضع متعددة في رسائله. و بدراسة القصة في مواضعها الثلاث يتبين تناقضها ؛ فقد جاء في الرواية الأولى : (7وَأَمَّا الرِّجَالُ الْمُسَافِرُونَ مَعَهُ فَوَقَفُوا صَامِتِينَ يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَلاَ يَنْظُرُونَ أَحَداً.) ،13. بينما جاء في الرواية الثانية : (9وَالَّذِينَ كَانُوا مَعِي نَظَرُوا النُّورَ وَارْتَعَبُوا وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا صَوْتَ الَّذِي كَلَّمَنِي.) ،14. فهل سمعت القافلة صوت الذي كلمه أم لم يسمعوه ؟!. و يرد القس : منيس عبد النور فيقول : ( الحديث في أعمال 9 عن مجرد السمع ،15. أي وصول الصوت إلى الأذن. أما في أعمال 22 فالحديث عن فهم معنى ما سمعوه. لقد سمعوا،16. ولكنهم لم يفهموا،17. وهذا ما جرى عندما رأى شاول الطرسوسي النور السماوي .. ) ،18. و طبعا واضح الإجتهاد الشخصي في رد القس و تفسيره لمعنى السمع الوارد في عدة مواضع إذ لا دليل على ما يقول لأنه بالعودة إلى النص لا نجد فارقا في المعنى بين الجمل ،19. أكثر من ذلك بالرجوع إلى النسخة الإنجليزية للكتاب المقدس نجدها تستخدم نفس الكلمة المرادفة لكلمة السمع ( Hear ) و لا تستخدم كلمة أخرى تدل على معنى الفهم ( see or understand ) فمن أين أتى القس بهذا التفسير ؟..
20. أيضا جاء في الرواية الأولى والثانية أن المسيح u طلب منه أن يذهب إلى دمشق حيث سيخبَر هناك بالتعليمات : ( 6فَسَأَلَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ وَمُتَحَيِّرٌ: «يَا رَبُّ مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟»فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «قُم وَادْخُلِ الْمَدِينَةَ فَيُقَالَ لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ» ) ،21. و أيضا : ( فَقُلْتُ: مَاذَا أَفْعَلُ يَا رَبُّ؟ فَقَالَ لِي الرَّبُّ: قُمْ وَاذْهَبْ إِلَى دِمَشْقَ وَهُنَاكَ يُقَالُ لَكَ عَنْ جَمِيعِ مَا تَرَتَّبَ لَكَ أَنْ تَفْعَلَ.) ،22. بينما يذكر بولس في الرواية الثالثة - و قد كانت ضمن حديثه الى الملك أغريباس - أن المسيح u أخبره بتعليماته بنفسه ،23. فقد قال له: ( 16وَلَكِنْ قُمْ وَقِفْ عَلَى رِجْلَيْكَ لأَنِّي لِهَذَا ظَهَرْتُ لَكَ لأَنْتَخِبَكَ خَادِماً وَشَاهِداً بِمَا رَأَيْتَ وَبِمَا سَأَظْهَرُ لَكَ بِهِ 17مُنْقِذاً إِيَّاكَ مِنَ الشَّعْبِ وَمِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ أَنَا الآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ 18لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ وَمِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ حَتَّى يَنَالُوا بِالإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ الْخَطَايَا وَنَصِيباً مَعَ الْمُقَدَّسِينَ.) فهل حدث فعلا أن بلغه المسيح u بالرسالة عقب افاقته .. أم في دمشق .. أم أنها كانت حيلة منه أمام الملك أغريباس ؟!.. و يرد أيضا القس : منيس عبد النور فيقول : ( أما في أصحاح 26 فالأمر أن بولس كان يحدِّث الملك أغريباس،24. ليبرئ نفسه من اتهامات اليهود،25. ويدعو الملك للإيمان،26. فأوجز في ما قال،27. ولم يورد تفصيلات. لهذا أغفل ذكر أن مرافقيه سمعوا صوت من كلَّمه،28. ولكنهم لم يفهموا ما سمعوه . ) و نقول هنا : و إذا أغفل بولس فهل أغفل الروح القدس الذي يؤمن النصارى أنه يوحي لبولس أو لوقا أو كاتب السفر أن يورد الحقائق كاملة دون زيادة أو نقصان ؟!... و على قياس تفسير القس لرواية بولس : فماذا أيضا أغفل الروح القدس ذكره في الكتاب ؟!..
29. و من الأمور التي وقف عليها المحققون في شخصية بولس لجوئه للكذب في سبيل الوصول لغايته. فقد حدث أن أراد اليهود محاكمته و عندما مثل أمام المحكمة و وجدها تنقسم الى فريسيين و صدوقيين قال لهم أنه فريسي ليوقع بينهم الفتنة و ينجو هو ،30. و لنقرأ النص : ( 6وَلَمَّا عَلِمَ بُولُسُ أَنَّ قِسْماً مِنْهُمْ صَدُّوقِيُّونَ وَالآخَرَ فَرِّيسِيُّونَ صَرَخَ فِي الْمَجْمَعِ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ أَنَا فَرِّيسِيٌّ ابْنُ فَرِّيسِيٍّ. عَلَى رَجَاءِ قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ أَنَا أُحَاكَمُ». 7وَلَمَّا قَالَ هَذَا حَدَثَتْ مُنَازَعَةٌ بَيْنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ وَانْشَقَّتِ الْجَمَاعَةُ ) ،31. إذ أن الفريسـيين يؤمنون بالبعث بعد الموت في حين لا يؤمن الصدوقيون بذلك . و في موضع أخر عندما قبض عليه الرومان قال لهم أنه مواطنا رومانيا و أكد ذلك ثانيةً حين سئل للتأكيد فوجدوا أنفسهم في حرج إذ كانوا يقيدونه و يسوقونه الى الجلْد و لنقرأ أيضا النص : ( 25فَلَمَّا مَدُّوهُ لِلسِّيَاطِ قَالَ بُولُسُ لِقَائِدِ الْمِئَةِ الْوَاقِفِ: «أَيَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تَجْلِدُوا إِنْسَاناً رُومَانِيّاً غَيْرَ مَقْضِيٍّ عَلَيْهِ؟» 26فَإِذْ سَمِعَ قَائِدُ الْمِئَةِ ذَهَبَ إِلَى الأَمِيرِ وَأَخْبَرَهُ قَائِلاً: «انْظُرْ مَاذَا أَنْتَ مُزْمِعٌ أَنْ تَفْعَلَ! لأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ رُومَانِيٌّ». 27فَجَاءَ الأَمِيرُ وَقَالَ لَهُ: «قُلْ لِي. أَأَنْتَ رُومَانِيٌّ؟» فَقَالَ: «نَعَمْ». 28فَأَجَابَ الأَمِيرُ: «أَمَّا أَنَا فَبِمَبْلَغٍ كَبِيرٍ اقْتَنَيْتُ هَذِهِ الرَّعَوِيَّةَ». فَقَالَ بُولُسُ: «أَمَّا أَنَا فَقَدْ وُلِدْتُ فِيهَا». 29وَلِلْوَقْتِ تَنَحَّى عَنْهُ الَّذِينَ كَانُوا مُزْمِعِينَ أَنْ يَفْحَصُوهُ. وَاخْتَشَى الأَمِيرُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ رُومَانِيٌّ وَلأَنَّهُ قَدْ قَيَّدَهُ. ) و طبعا واضح التقوّل و التناقض بين هذه و بين مقولته السابقة ،32. و يبدو أن الرومان لم يبحثوا في مقولته هذه بصورة رسمية لدى تعداد المواطنين الرومان الذين يعيشون في اليهودية فلا يذكر السفر شيئا عن ذلك ،33. و لو حدث ذلك لكان مالا يُنتظر ! و قد ذهب البعض إلى أن بولس كان يهوديا حاصلا على الجنسية الرومانية و لكن ذلك لا دليل عليه إذ لم يكن من سكان روما و لم ينخرط في سلك الجندية كما فعل بعض الشوام و الإغريق فحصلوا على الجنسية الرومانية و تدرجوا في المناصب حتى صاروا أعضاء لمجلس الشيوخ الروماني بل و أباطرة أيضا ،34. كذلك لم تكن طرسوس أبدا جزء من البلاد الرومانية الأصلية حتى يحصل أحد سكانها على الجنسية الرومانية أبا عن جد ؛ فبولس لم يذكر ذلك في السفر منذ البداية في تعريفه لنفسه و لكن اكتفى بأن يعرّف الناس أنه يهودي طرسوسي فقط ،35. و ما كان ليخفي هويته الرومانية عن النـاس و يظهرها فقط خوفا من الجلد إلا لو كانت ضرب من الكـذب أراد أن يفلت به من العقوبة .. و هذا شيء معهود من بولس كما سنرى !!
36. و يرى أيضا أن التلون بكل لون هو شيء مسموح به و من صفات المبشر الناجح ،37. و على نهجه سار كل المبشرين بعد ذلك فنقرأ في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس : (20فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ الْيَهُودَ وَلِلَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ كَأَنِّي تَحْتَ النَّامُوسِ لأَرْبَحَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ 21وَلِلَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ كَأَنِّي بِلاَ نَامُوسٍ - مَعَ أَنِّي لَسْتُ بِلاَ نَامُوسٍ لِلَّهِ بَلْ تَحْتَ نَامُوسٍ لِلْمَسِيحِ - لأَرْبَحَ الَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ. 22صِرْتُ لِلضُّعَفَاءِ كَضَعِيفٍ لأَرْبَحَ الضُّعَفَاءَ. صِرْتُ لِلْكُلِّ كُلَّ شَيْءٍ لأُخَلِّصَ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَوْماً.) .
38. و أحيانا يرى بولس أمورا لا تتفق مع تأدبه مع الله U فيقول : (7فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ صِدْقُ اللهِ قَدِ ازْدَادَ بِكَذِبِي لِمَجْدِهِ فَلِمَاذَا أُدَانُ أَنَا بَعْدُ كَخَاطِئٍ؟ ) و أظنه بهذا يحل الكذب في شريعتة الجديدة رغم أنه أمر منكر من كافة الشرائع بل و الأعراف الإجتماعية . و هكذا يبرر النصارى كذب بولس في الكثير من الأمور . و يقول أيضا : (25لأَنَّ جَهَالَةَ اللهِ أَحْكَمُ مِنَ النَّاسِ! وَضَعْفَ اللهِ أَقْوَى مِنَ النَّاسِ! ) فهل يوصف الله Y بالجهل أو الضعف ؟ و من مَن ؟ ... أمِن الرسل الذين هم أعلم الناس بربهم العزيز الحكيم ؟ تعالى الله لا إله إلا هو سبحانه رب العزة عما يصفون .
39. و إذا كان الكذب مباحا فالنفاق أيضا لا غبار عليه ! و هذا يبرر تزلفه للأباطرة الرومان الوثنيين واعتبارهم وسائر الحكام سلاطين موضوعين من قبل الله ،40. ويمضي فيجعل الضرائب والجزية التي يفرضونها حقاً مشروعاً لهم فيقول في رسالته إلى أهل رومية : ( 1لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِين الْفَائِقَةِ لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ 2حَتَّى إِنَّ مَنْ يُقَاوِمُ السُّلْطَانَ يُقَاوِمُ تَرْتِيبَ اللهِ وَالْمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً. 3فَإِنَّ الْحُكَّامَ لَيْسُوا خَوْفاً لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَلْ لِلشِّرِّيرَةِ. أَفَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ السُّلْطَانَ؟ افْعَلِ الصَّلاَحَ فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ 4لأَنَّهُ خَادِمُ اللهِ لِلصَّلاَحِ! وَلَكِنْ إِنْ فَعَلْتَ الشَّرَّ فَخَفْ لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ السَّيْفَ عَبَثاً إِذْ هُوَ خَادِمُ اللهِ مُنْتَقِمٌ لِلْغَضَبِ مِنَ الَّذِي يَفْعَلُ الشَّرَّ. 5لِذَلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يُخْضَعَ لَهُ لَيْسَ بِسَبَبِ الْغَضَبِ فَقَطْ بَلْ أَيْضاً بِسَبَبِ الضَّمِيرِ. 6فَإِنَّكُمْ لأَجْلِ هَذَا تُوفُونَ الْجِزْيَةَ أَيْضاً إِذْ هُمْ خُدَّامُ اللهِ مُواظِبُونَ عَلَى ذَلِكَ بِعَيْنِهِ. 7فَأَعْطُوا الْجَمِيعَ حُقُوقَهُمُ: الْجِزْيَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِزْيَةُ. الْجِبَايَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِبَايَةُ. وَالْخَوْفَ لِمَنْ لَهُ الْخَوْفُ. وَالإِكْرَامَ لِمَنْ لَهُ الإِكْرَامُ. ) ،41. و يرى النصارى أن مقولة بولس هنا إنما هي نوع من الرضاء بقضاء الله حتى لا ينال هؤلاء المؤمنون الأوائل شيء من ظلم الحكام ،42. و لكن التزلف و التملق واضح في النص السابق و ذلك لأنه لا يستطيع أن يكلمه في الهداية ،43. فليكلمه في الجزية ليكتفي شره من باب كف يد الظالم !
44. و تمتليء رسالات بولس بعبارات يمدح بها نفسه كمقولته أنه رسول ليس من الناس بل من الله ! ،45. و أن المسيح u قد ائتمنه على الكرازة ،46. و يرى بعض المحققين أنه إنما يقول ذلك فهو يعطي لنفسه الحجة أمام الناس فتكون كرازته مقبولة لديهم .
47. و نرى من بولس – دونا عن التلاميذ - إلغائه الناموس في بعض المواضع واحتقاره ووصفه له بالعتق والشيخوخة في مواضع اخرى ،48. ومثل هذا الموقف لا يكون معهودا في الرسل الذي تأتي دعوتهم لتؤكد على طاعة الله وتدعو إلى السير وفق شريعته،49. يقول: ( 18فَإِنَّهُ يَصِيرُ إِبْطَالُ الْوَصِيَّةِ السَّابِقَةِ مِنْ أَجْلِ ضُعْفِهَا وَعَدَمِ نَفْعِهَا،50. 19إِذِ النَّامُوسُ لَمْ يُكَمِّلْ شَيْئاً. وَلَكِنْ يَصِيرُ إِدْخَالُ رَجَاءٍ أَفْضَلَ بِهِ نَقْتَرِبُ إِلَى اللهِ. )،51. و لا يفهم من النص السابق إلا ابطاله للناموس ( الوصية السابقة ) الذي جاء المسيح u مصدقا له ناكرا أن ينقضه أحد ،52. و لا يمكن تأويلها بشيء أخر كما يحاول المدافعين عن الكتاب المقدس أن يفعلون .
رأي بعض المحققين النصارى في شريعة بولس :
و نتساءل لماذا لم يذهب بولس بعد تنصره مباشرة إلى التلاميذ ليتلقى عنهم دين المسيح ؟ بل ذهب إلى العربية ومكث بعيداً عن التلاميذ ثلاث سنين، ثم لقي اثنين منهم فقط لمدة خمسة عشر يوماً !
تقول دائرة المعارف البريطانية في الإجابة عن هذا السؤال: ( إن ارتحاله إليها كان لحاجته إلى جو هادئ صامت يتمكن فيه من تفكير في موقفه الجديد، وإن القضية الأساس عنده هي تفسير الشريعة حسب تجاربه الحديثة ) ، و هو تفسير نلمس منه تباين شريعته عن شريعة التلاميذ بل وخضوعها لتجاربه و خبراته أكثر ، و لكن هل تفسير الشريعة حسب تجاربه يجوز إذا تعارض مع أساسياتها التي لا يجب أن يحيد عنها ؟.
و يقول المؤرخ جامس كينون في كتابه من المسيح إلى قسطنطين : ( إنه ارتحل بعد تحوله الفكري إلى العربية، وكان الغرض المنشود من وراء ذلك - كما يبدو من التبشير- أن يدرس مضمونات عقيدته الجديدة، ثم ذهب بعد ذلك بثلاثة أعوام إلى أورشليم حتى يجتمع ببطرس ويعقوب ، فقد كان بولس يؤمن أن الله قد وهبه ميداناً محدداً للعمل، ولا يجوز لرجل أن يتدخل في شئـونه مادام روح الله بدورها هـادية له ) ، و هو لا يخرج كثيرا عن التفسير السابق مع إضافة تبرير جيد لخروجه عن شريعة الناموس و هو أنه مسوق من الروح القدس !... و لكننا نضيف أن بطرس أو يعقوب أو أحد التلاميذ ليسوا كأي رجل يسمح بتدخّله في الشريعة ، و لكنهم التلاميذ الذين تلقوا التعاليم على يد المسيح u فإذا حدث خلاف بينهم و بين أي فرد كائنا من يكون فلابد أنه سيكون على خطأ و هم على صواب .
لغاته و ثقافته :
كانت اليونانية هي لغة الثقافة في أنحاء الإمبراطورية الرومانية الشرقية هذا إلى جانب لغة البلاد الأصلية ، و يجمع الباحثين النصارى أن بولس كان يجيد اليونانية المنتشرة بين أهل بلدة طرسوس إلى جانب معرفته بلغة قومه العبرية ( لغة الناموس ) فلقد كان يدرس التوراة باللغة العبرية في حين يذهب بعض الباحثين أنه في كتاباته و رسائله قد اقتبس من التوراة السبعينية و المكتوبة باللغة اليونانية و إن كان هذا غير أكيد فلعل هذا راجعا إلى اختلاف ترجمة بعض أقواله حسب المذاهب النصرانية المختلفة
و قد سهل له ذلك اطلاعه على كتب الفلسفة اليونانية القديمة و التي كانت لها أكبر الأثر في حياته المستقبلية و أفكاره كما سنرى .
* * *
و مما سبق يتضح لنا شخصية بولس كما فهمناها من رسائله الموجودة بالكتاب المقدس و كما رأه بعض المحققين من النصارى المحدثين ، و لكن ماذا كان رأي الحواريين في بولس و دعوته ؟.. هذا ما سنعرفه من الفصل الثاني من هذه الدراسة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يشرفنى اضافة تعليقك على الموضوع سواء نقد او شكر