رد شبهة نبيٌّ
ينسى ما نزل عليه من الكتابِ !
الشيخ/ أكرم حسن مرسي |
شكَّك بعضُهم
في عصمةِ رسولِ اللهِ r ، وفي الأصلِ الذي
قامت
عليه كتابة القرآنِ
الكريمِ وجمعِه ، وهو حفظهr للقرآن بدعوى
جواز النسيان في حقِه r ، واستدلوا على ذلك بالاتي:
1- قولهI : ]سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ [ (الأعلى 29) .
زعموا أن الآيات تدل - بطريق الاستثناء - على أن محمدًا
1- قولهI : ]سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ [ (الأعلى 29) .
زعموا أن الآيات تدل - بطريق الاستثناء - على أن محمدًا
r قد أسقط عمدًا ،أو أُنسي آيات ...
2- صحيح البخاري برقم 4654 عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا –
قَالَتْ: سَمِعَ النَّبِيُّ
r قَارِئًا يَقْرَأُ مِنْ اللَّيْلِ
فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ:" يَرْحَمُهُ
اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً
أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا ".
3- صحيح البخاري برقم 4650 عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ r رَجُلًا يَقْرَأُ فِي سُورَةٍ
بِاللَّيْلِ فَقَالَ :"
يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا
آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا ".
زعموا أن النبيَّ r
أسقط عمدًا بعض آياتِ القرآنِ ، أو أُنسِيها
....
الرد على الشبهة
أولاً: إن المسلمين يعتقدون أن النبيَّ بشرٌ ،
وليس إلهًا فهو
ينسى كما ينسى البشرُ ، وهذا شأن
كل الأنبياء - عليهم السلام- .... يدلل ذلك ما يلي:
1- آدم :{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ
} ( طه 115 ) .
2- موسى : {قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي
مِنْ أَمْرِي عُسْراً } (الكهف73) .
3- موسى ويوشع - عليهما
السلام- :{فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ
بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا }
(الكهف61) .
4- يوشع :{قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ
أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي
نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا
أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ
فِي الْبَحْرِ عَجَباً } (الكهف63).
5- قوله I لنبيِّه r: { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي
فَاعِلٌ ذَلِكَ
غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ
رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى
أَنْ يَهْدِيَنِ
رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) }( الكهف ) .
ثم إن البشرَ جميعًا ينسون فما سُمي الإنسانُ إنسانًا
إلا
لأنه كثيرَ
النسيان ؛ فسبحان اللهِ الذي لا ينسي ...
قالI: { لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى } (طه52) .
وقالI :{وَمَا كَانَ رَبُّكَ
نَسِيّاً } (مريم64).
ثانيًا : إن استدلالَ المعترضين بالآيات الكريمةِ التي
تدل على
جواز نسيان النَّبِيِّ لبعض
آياتِ القرآنِ الكريم استدلالً ليس
في محله ولا يخدمهم بحال من الأحوال؛
لأنني ألاحظ من قولِه
I : ] سَنُقْرِئُكَ فَلاَ
تَنسَى [ (الأعلى 29)، وعد عظيم من
ربِّه
I بعدمِ نسيانِه لما يقرأه من
القرآنِ الكريم....
ثم إن (لا)
في الآية نافية، أي : أن اللهَ I أخبر
نبيَّه
بأنه لا ينسى ما أقرأه إياه...
وقيل (لا) ناهية، فهي مثل قول لقمان لابنه :
" لا تشرك
بالله "
فهل معني ذلك أنه أشرك ؟!
الجواب: لا ،والأول رجحه القرطبي على أن
(لا) في الآية
نافية .
وعليه يصبح معنى
الآية : سنعلمك القرآن فلا
تنساه ؛ فهي تدل على عكس ما أراد المعترضون ....
ونلاحظ أن الاستثناء في الآيةِ معلق على مشيئةِ اللهِ I
ولم تقع المشيئة بدليل ما جاء
في قولِه I :
] إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَه ُ [(القيامة17).
فإن
قيل ما الحكمة من الاستثناءِ إذًا ؟
قلتُ
: إن
هناك أقولاً يذكرها العلماءُ منها :
1-
أن الحكمةَ من هذا الاستثناء أن يعلم العباد
2-
أن عدم نسيان النَّبِيِّ القرآن هو محض
3-
فضل الله وإحسانه، ولو شاء أن
ينسيه
4- لأنساه ، وفي ذلك إشعار لنَّبِيِّ أنه
دائمًا
5-
مغمور بنعمةِ الله وعنايته، وإشعار للأمة بأن
6- نبيَّهم لم يخرج عن دائرة
العبودية، فلا يفتنون
7-
به كما فتن المعترضون بالمسيح
وجعلوه إلهًا !.
8- أن المرادَ
من الاستثناء نسخ التلاوة لبعض الآيات
9-
؛ فيكون المعنى أن اللهَ I وعد بأن لا يُنسى نبيه
10- ما يقرأه ، إلا ما شاء I أن
ينسيه إياه
11- بأن ينسخ تلاوته . وذلك ما ثبت في كتب
12- التفاسير مثل تفسير أيسر التفاسير
-13 لأبي بكر الجزائري يقول :
14 -
{ سنقرئك فلا تنسى } : أي:
15
- القرآن فلا تنساه بإِذننا . { إلا ما شاء الله }
16-
: أي: إلا ما شئنا أن ننسيكه
فإِنك تنساه وذلك
17-
إذا أراد الله تعالى نسخ شيء من القرآن بلفظه
18- فإِنه يُنسي فيه رسوله r. أهـ
وجاء في
تفسيرِ زادِ المسير لابنِ الجوزي : {إلا ما شاء الله}
أن ينسخه فتنساه
، قاله الحسن ، وقتادة.أهـ
ثالثًا : إن
هذا الحديثَ- محل الاعتراض- لا يخدم مصالح
المعترضين لوجهين :
الوجه الاول : إن الآيات التي أًنسيها النبي ثم ذكرها كانت
الوجه الاول : إن الآيات التي أًنسيها النبي ثم ذكرها كانت
مكتوبة
بين يدي النَّبِيِّ ، و لم تنزل آية علي النبي
إلا قام
كتبة الوحي بكتابتها ، وكانت
محفوظة في صدور
أصحابه الذين تلقوها عنه ، والذين بلغ
عددهم مبلغ
التواتر؛ وليس
في الخبرِ إشارة إلى أن هذه الآيات لم تكن
مما كتبه كتاب الوحي ،
ولا ما يدل على أن أصحابَ النَّبِيِّ
كانوا نسوها جميعا حتى يخاف عليها الضياع ...
الوجه الثاني : إن روايات الحديث لا تُخبر أن هذه الآيات
الوجه الثاني : إن روايات الحديث لا تُخبر أن هذه الآيات
التي سمعها الرسولُ من أحدِ أصحابِه y كانت قد مُحيت
من ذهنِه جملة ؛ بل
غاية ما تفيده أنها كانت غائبة عنه
ثم ذكرها ، وحضرت في
ذهنه بقراءة صاحبه ، وليس
غيبة الشيء عن الذهن كمحوه منه ؛ فالنسيان
هنا بسبب
اشتغال الذهن بغيره أما النسيان التام فهو
مستحيل على
النَّبِيِّ وبهذا قال
أهل العلمُ كما يلي:
1- قال الباقلاني : وإن أردت أنه ينسى مثل ما ينسى
1- قال الباقلاني : وإن أردت أنه ينسى مثل ما ينسى
العالم الحافظ بالقرآن
نسيانًا لا يقدح فيه فإن ذلك
جائز بعد
أدائه وبلاغه .
2- قال ابنُ حجرٍ في الفتح: قَوْله ( كُنْت أُنْسِيتهَا ):
2- قال ابنُ حجرٍ في الفتح: قَوْله ( كُنْت أُنْسِيتهَا ):
هِيَ مُفَسِّرَة
لِقَوْلِهِ " أَسْقَطْتُهَا " فَكَأَنَّهُ قَالَ أَسْقَطْتُهَا نَسِيَانًا
لَا عَمْدًا ،
وَفِي رِوَايَة
مَعْمَر عَنْ هِشَام عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ " كُنْت نَسِيتهَا "
بِفَتْحِ النُّون لَيْسَ قَبْلهَا هَمْزَة قَالَ
الْإِسْمَاعِيلِيّ : النِّسْيَان مِنْ
النَّبِيّ لِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآن يَكُون عَلَى قِسْمَيْنِ
: أَحَدهمَا نِسْيَانه
الَّذِي يَتَذَكَّرهُ عَنْ قُرْبٍ ، وَذَلِكَ قَائِم
بِالطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّة ، وَعَلَيْهِ
يَدُلّ قَوْله فِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود فِي السَّهْو " إِنَّمَا
أَنَا بِشْر
مِثْلكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ " وَالثَّانِي
أَنْ يَرْفَعهُ اللَّه عَنْ قَلْبه عَلَى
إِرَادَة نَسْخِ تِلَاوَته ، وَهُوَ الْمُشَار إِلَيْهِ
بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى
( سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه
) قَالَ : فَأَمَّا الْقِسْم الْأَوَّل
فَعَارِض سَرِيع
الزَّوَال لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ
وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) وَأَمَّا الثَّانِي
فَدَاخِل فِي قَوْله تَعَالَى ( مَا نَنْسَخْ
مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا ) عَلَى قِرَاءَة مَنْ
قَرَأَ بِضَمِّ أَوَّله مِنْ غَيْر هَمْزَة .
قُلْت : وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيه هَذِهِ الْقِرَاءَة
وَبَيَان مَنْ قَرَأَ بِهَا فِي تَفْسِير
الْبَقَرَة
. وَفِي الْحَدِيث حُجَّة لِمَنْ أَجَازَ النِّسْيَان عَلَى النَّبِيّ
َيْسَ طَرِيقه
الْبَلَاغ مُطْلَقًا ، وَكَذَا فِيمَا طَرِيقه الْبَلَاغ لَكِنْ بِشَرْطَيْنِ :
أَحَدهمَا أَنَّهُ بَعْدَمَا يَقَع مِنْهُ تَبْلِيغه
، وَالْآخَر أَنَّهُ لَا يَسْتَمِرّ عَلَى نِسْيَانه
بَلْ يَحْصُل
لَهُ تَذَكُّره إِمَّا بِنَفْسِهِ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ .أهـ
إذن: بحسب ما أسلفناه يتضح أن المقصود من النسيانِ
إذن: بحسب ما أسلفناه يتضح أن المقصود من النسيانِ
هو نسخ التلاوة
، وإن ما نسيه النبيُّ كان
مما نسخه
الله ُ،ولم يعلم
الصحابي بنسخِه ثم وقع العلم عند الصحابي بذلك ..
و أقول للمعترضين : إن حفظَ القرآن و جمعه ليس مسئولية
و أقول للمعترضين : إن حفظَ القرآن و جمعه ليس مسئولية
الرسول ، و ليس مسئولية الصحابة، مثل :
أبي بكر ،
وعمرَ، وعثمانَ...فاللهُ I بيّن في كتابِه أنه I متعهد
بحفظِه : ]إِنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [ (الحجر9).
وقال I : ] لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ]16[ إِنَّ عَلَيْنَا
جَمْعَهُ وَقُرْآنَه ]ُ17[ [(القيامة16).
من
كتابات فضيلة الشيخ - أكرم حسن مرسي
من دعاه الجمعية الشرعية
بالجيزة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يشرفنى اضافة تعليقك على الموضوع سواء نقد او شكر